قال أبو جعفر: وذلك ما لا وجه له يفهم في لغة أحد من العرب، ولكن ذلك على ما وصفت من جمع الأسير مرة على فعلى لما بينت من العلة، ومرة على فعالى لما ذكرت من تشبيههم جمعه بجمع سكران وكسلان وما أشبه ذلك.
وأولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: وإن يأتوكم أسرى لان فعالى في جمع فعيل غير مستفيض في كلام العرب. فإذا كان ذلك غير مستفيض في كلامهم، وكان مستفيضا فاشيا فيهم جمع ما كان من الصفات التي بمعنى الآلام والزمانة واحدة على تقدير فعيل على فعلى كالذي وصفنا قبل، وكان أحد ذلك الأسير كان الواجب أن يلحق بنظائره وأشكاله فيجمع جمعها دون غيرها ممن خالفها.
وأما من قرأ: تفادوهم فإنه أراد أنكم تفدونهم من أسرهم، ويفدى منكم الذين أسروهم ففادوكم بهم أسراكم منهم.
وأما من قرأ ذلك: تفادوهم فإنه أراد أنكم يا معشر اليهود إن أتاكم الذين أخرجتموهم منكم من ديارهم أسرى فديتموهم فاستنقذتموهم. وهذه القراءة أعجب إلي من الأولى، أعني: أسرى تفادوهم لان الذي على اليهود في دينهم فداء أسراهم بكل حال فدى الآسرون أسراهم منهم أم لم يفدوهم.
وأما قوله: وهو محرم عليكم إخراجهم فإن في قوله: وهو وجهين من التأويل أحدهما: أن يكون كناية عن الاخراج الذي تقدم ذكره، كأنه قال: وتخرجون فريقا منكم من ديارهم، وإخراجهم محرم عليكم. ثم كرر الاخراج الذي بعد وهو محرم عليكم تكريرا على هو، لما حال بين الاخراج وهو كلام. والتأويل الثاني: أن يكون عمادا لما كانت الواو التي مع هو تقتضي اسما يليها دون الفعل، فلما قدم الفعل قبل الاسم الذي تقتضيه الواو أن يليها أوليت هو لأنه اسم، كما تقول: أتيتك وهو قائم أبوك، بمعنى: وأبوك قائم، إذ كانت الواو تقتضي اسما فعمدت ب هو، إذ سبق الفعل الاسم ليصلح الكلام كما قال الشاعر:
فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيته * على العيس في آباطها عرق يبس بأن السلامي الذي بضرية * أمير الحمى قد باع حقي بني عبس