لازم لكم الوفاء لي به تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم متعاونين عليهم في إخراجكم إياهم بالاثم والعدوان. والتعاون: هو التظاهر وإنما قيل: للتعاون التظاهر، لتقوية بعضهم ظهر بعض، فهو تفاعل من الظهر، وهو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعض. والوجه الآخر أن يكون معناه: ثم أنتم قوم تقتلون أنفسكم فيرجع إلى الخبر عن أنتم، وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم بهؤلاء، كما تقول العرب: أنا ذا أقوم، وأنا هذا أجلس، ولو قيل: أنا هذا أجلس كان صحيحا جائزا، كذلك أنت ذاك تقوم.
وقد زعم بعض البصريين أن قوله هؤلاء في قوله: ثم أنتم هؤلاء تنبيه وتوكيد ل أنتم، وزعم أن أنتم وإن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين، فإنما جاز أن يؤكدوا ب هؤلاء وأولاء، لأنها كناية عن المخاطبين، كما قال خفاف بن ندبة:
أقول له والرمح يأطر متنه تبين خفافا إنني أنا ذلكا يريد: أنا هذا. وكما قال جل ثناؤه: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم.
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية نحو اختلافهم فيمن عني بقوله: وأنتم تشهدون. ذكر اختلاف المختلفين في ذلك:
حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان إلى أهل الشرك حتى تسفكوا دماءهم معهم، وتخرجوهم من ديارهم معهم. فقال: أنبهم الله من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم فكانوا فريقين طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج والنضير وقريظة حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون منها ما