وإنما العالم العامل بعلمه، وأما إذا خالف عمله علمه فهو في معاني الجهال. قال: وقد يقال للفاعل الفعل بخلاف ما ينبغي أن يفعل وإن كان بفعله عالما: لو علمت لأقصرت كما قال كعب بن زهير المزني، وهو يصف ذئبا وغرابا تبعاه لينالا من طعامه وزاده:
إذا حضراني قلت لو تعلما به * ألم تعلما أني من الزاد مرمل فأخبر أنه قال لهما: لو تعلمانه، فنفى عنهما العلم. ثم استخبرهما فقال: ألم تعلما.
قالوا: فكذلك قوله: ولقد علموا لمن اشتراه و: لو كانوا يعلمون وهذا تأويل وإن كان له مخرج ووجه فإنه خلاف الظاهر المفهوم بنفس الخطاب. أعني بقوله: ولقد علموا وقوله: لو كانوا يعلمون وإنما هو استخراج. وتأويل القرآن على المفهوم الظاهر الخطاب دون الخفي الباطن منه، حتى تأتي دلالة من الوجه الذي يجب التسليم له بمعنى خلاف دليله الظاهر المتعارف في أهل اللسان الذين بلسانهم نزل القرآن، أولى.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون) * يعني جل ثناؤه بقوله: ولو أنهم آمنوا واتقوا لو أن الذين يتعلمون من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه آمنوا، فصدقوا الله ورسوله وما جاءهم به من عند ربهم، واتقوا ربهم فخافوه فخافوا عقابه، فأطاعوه بأداء فرائضه وتجنبوا معاصيه لكان جزاء الله إياهم وثوابه لهم على إيمانهم به وتقواهم إياه خيرا لهم من السحر وما اكتسبوا به لو كانوا يعلمون أن ثواب الله إياهم على ذلك خير لهم من السحر ومما اكتسبوا به. وإنما نفى بقوله: لو كانوا يعلمون العلم عنهم أن يكونوا عالمين بمبلغ ثواب الله وقدر جزائه على طاعته.
والمثوبة في كلام العرب مصدر من قول القائل: أثبتك إثابة وثوابا ومثوبة، فأصل ذلك من ثاب إليك الشئ بمعنى رجع، ثم يقال: أثبته إليك: أي رجعته إليك ورددته.
فكان معنى إثابة الرجل الرجل على الهدية وغيرها: إرجاعه إليها منها بدلا، ورده عليه منها عوضا. ثم جعل كل معوض غيره من عمله أو هديته أو يد له سلفت منه إليه مثيبا له. ومنه ثواب الله عز وجل عباده على أعمالهم، بمعنى إعطائه إياهم العوض والجزاء عليه، حتى يرجع إليهم بدل من عملهم الذي عملوا له.