فإن قال لنا قائل: وهل كان لهما ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربهما التوبة؟ قيل: إنه ليس أحد من خلق الله إلا وله من العمل فيما بينه وبين ربه ما يجب عليه الإنابة منه والتوبة.
فجائز أن يكون ما كان من قبلهما ما قالا من ذلك، وإنما خصا به الحال التي كانا عليها من رفع قواعد البيت، لان ذلك كان أحرى الأماكن أن يستجيب الله فيها دعاءهما، وليجعلا ما فعلا من ذلك سنة يقتدي بها بعدهما، وتتخذ الناس تلك البقعة بعدهما موضع تنصل من الذنوب إلى الله. وجائز أن يكونا عنيا بقولهما: وتب علينا وتب على الظلمة من أولادنا وذريتنا، الذين أعلمتنا أمرهم من ظلمهم وشركهم، حتى ينيبوا إلى طاعتك. فيكون ظاهر الكلام على الدعاء لأنفسهما، والمعني به ذريتهما، كما يقال: أكرمني فلان في ولدي وأهلي، وبرني فلان: إذا بر ولده.
وأما قوله: إنك أنت التواب الرحيم فإنه يعني به: إنك أنت العائد على عبادك بالفضل والمتفضل عليهم بالعفو والغفران، الرحيم بهم، المستنقذ من تشاء منهم برحمتك من هلكته، المنجي من تريد نجاته منهم برأفتك من سخطك. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) * وهذه دعوة إبراهيم وإسماعيل لنبينا محمد (ص) خاصة، وهي الدعوة التي كان نبينا (ص) يقول: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى.
1708 - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان الكلاعي: أن نفرا من أصحاب رسول الله (ص) قالوا:
يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى (ص).
1709 - حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا أبو كريب، عن أبي مريم، عن سعيد بن سويد، عن العرباض بن سارية السلمي، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إني عند الله في أم الكتاب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسوف أنبئكم بتأويل ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ورؤيا أمي.