انحراف الشئ عن جهته، وهو ميله عنها إلى غيرها. فكذلك قوله: يحرفونه: أي يميلونه عن وجهه، ومعناه الذي هو معناه إلى غيره. فأخبر الله جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على علم منهم بتأويل ما حرفوا، وأنه بخلاف ما حرفوه إليه، فقال: يحرفونه من بعد ما عقلوه يعني من بعد ما عقلوا تأويله وهم يعلمون أي يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون. وذلك إخبار من الله جل ثناؤه عن إقدامهم على البهت، ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى (ص)، وأن بقاياهم من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمد (ص) بغيا وحسدا على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك في عصر موسى عليه الصلاة والسلام. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون) * أما قوله: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا فإنه خبر من الله جل ذكره عن الذين أيأس أصحاب محمد (ص) من إيمانهم من يهود بني إسرائيل الذين كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا بالله ورسوله محمد (ص) قالوا آمنا. يعني بذلك أنهم إذا لقوا الذين صدقوا بالله وبمحمد (ص) وبما جاء به من عند الله قالوا آمنا أي صدقنا بمحمد وبما صدقتم به وأقررنا بذلك. أخبر الله عز وجل عنهم أنهم تخلقوا بأخلاق المنافقين وسلكوا منهاجهم. كما:
حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال:
حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قوله: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم وذلك أن نفرا من اليهود كانوا إذا لقوا محمدا (ص) قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد (ص) قالوا آمنا.
وقد روي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر، وهو ما:
حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن