آخر: كأنهم أعجاز نخل خاوية فأنث الخاوية وهي من صفة النخل بمعنى النخل لأنها وإن كانت في لفظ الواحد المذكر على ما وصفنا قبل فهي جماع نخلة. وكان بعضهم يتلوه: إن البقر تشابه علينا بتشديد الشين وضم الهاء، فيؤنث الفعل بمعنى تأنيث البقر، كما قال: أعجاز نخل خاوية ويدخل في أول تشابه تاء تدل على تأنيثها، ثم تدغم التاء الثانية في شين تشابه لتقارب مخرجها ومخرج الشين فتصير شينا مشددة وترفع الهاء بالاستقبال والسلام من الجوازم والنواصب. وكان بعضهم يتلوه: إن البقر يشابه علينا فيخرج يشابه مخرج الخبر عن الذكر لما ذكرنا من العلة في قراءة من قرأ ذلك: تشابه بالتخفيف، ونصب الهاء غير أنه كان يرفعه بالياء التي يحدثها في أول تشابه التي تأتي بمعنى الاستقبال، وتدغم التاء في الشين كما فعله القارئ في تشابه بالتاء والتشديد.
والصواب في ذلك من القراءة عندنا: إن البقر تشابه علينا بتخفيف شين تشابه ونصب هائه، بمعنى تفاعل، لاجماع الحجة من القراء على تصويب ذلك ورفعهم ما سواه من القراءات، ولا يعترض على الحجة بقول من يجوز عليه فيما نقل السهو والغفلة والخطأ.
وأما قوله: وإنا إن شاء الله لمهتدون فإنهم عنوا: وإنا إن شاء الله لمبين لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة التي أمرنا بذبحها. ومعنى اهتدائهم في هذا الموضع معنى تبينهم أي ذلك الذي لزمهم ذبحه مما سواه من أجناس البقر. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون) * وتأويل ذلك، قال موسى: إن الله يقول: إن البقرة التي أمرتكم بذبحها بقرة لا ذلول.
ويعني بقوله: لا ذلول: أي لم يذللها العمل. فمعنى الآية: أنها بقرة لم تذللها إثارة الأرض بأظلافها، ولا سني عليها الماء فيسقى عليها الزرع، كما يقال للدابة التي قد ذللها الركوب أو العمل: دابة ذلول بينة الذل، بكسر الذال، ويقال في مثله من بني آدم: رجل ذليل بين الذل والذلة.