الذي هو بمعنى التأخير والمؤخر الذي هو بمعنى التقديم في كلام العرب أفشى وفي منطقها أكثر من أن يحصى، من ذلك قول جرير بن عطية:
طاف الخيال وأين منك لماما فارجع لزورك بالسلام سلاما بمعنى طاف الخيال لماما وأين هو منك. وكما قال جل ثناؤه في كتابه: * (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما) * المعنى: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم قيما يجعل له عوجا، وما أشبه ذلك. ففي ذلك دليل شاهد على صحة قول من أنكر أن تكون بسم الله الرحمن الرحيم من فاتحة الكتاب آية. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ملك يوم الدين) * قال أبو جعفر: القراء مختلفون في تلاوة ملك يوم الدين، فبعضهم يتلوه: ملك يوم الدين، وبعضهم يتلوه: مالك يوم الدين وبعضهم يتلوه: مالك يوم الدين بنصف الكاف. وقد استقصينا حكاية الرواية عمن روي عنه في ذلك قراءة في كتاب القراءات، وأخبرنا بالذي نختار من القراءة فيه، والعلة الموجبة صحة ما اخترنا من القراءة فيه، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع، إذ كان الذي قصدنا له في كتابنا هذا البيان عن وجوه تأويل آي القرآن دون وجوه قراءتها.
ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب، أن الملك من الملك مشتق، وأن المالك من الملك مأخوذ. فتأويل قراءة من قرأ ذلك: مالك يوم الدين أن لله الملك يوم الدين خالصا دون جميع خلقه الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكا جبابرة ينازعونه الملك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية. فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصغرة الأذلة، وأن له دونهم ودون غيرهم الملك والكبرياء والعزة والبهاء، كما قال جل ذكره وتقدست أسماؤه في تنزيله: يوم هم بارزون لا يخفى