ويعني بقوله: اصطفيناه اخترناه واجتبيناه للخلة، ونصيره في الدنيا لمن بعده إماما. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خالف إبراهيم فيما سن لمن بعده فهو لله مخالف، وإعلام منه خلقه أن من خالف ما جاء به محمد (ص) فهو لإبراهيم مخالف وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أنه اصطفاه لخلته، وجعله للناس إماما، وأخبر أن دينه كان الحنيفية المسلمة. ففي ذلك أوضح البيان من الله تعالى ذكره عن أن من خالفه فهو لله عدو لمخالفته الامام الذي نصبه الله لعباده.
القول في تأويل قوله تعالى: وإنه في الآخرة لمن الصالحين.
يعني تعالى ذكره بقوله: وإنه في الآخرة لمن الصالحين وإن إبراهيم في الدار الآخرة لمن الصالحين. والصالح من بني آدم هو المؤدي حقوق الله عليه. فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله أنه في الدنيا له صفي، وفي الآخرة ولي، وإنه وارد موارد أوليائه الموفين بعهده. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) * يعني تعالى ذكره بقوله: إذ قال له ربه أسلم إذ قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة، وقد دللنا فيما مضى على معنى الاسلام في كلام العرب، فأغنى عن إعادته.
وأما معنى قوله: قال أسلمت لرب العالمين فإنه يعني تعالى ذكره: قال إبراهيم مجيبا لربه: خضعت بالطاعة، وأخلصت بالعبادة لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره.
فإن قال قائل: قد علمت أن إذ وقت فما الذي وقت به، وما الذي صلة؟ قيل: هو صلة لقوله: ولقد اصطفيناه في الدنيا. وتأويل الكلام: ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قال له ربه أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين. فأظهر اسم الله في قوله: إذ قال له ربه أسلم على وجه الخبر عن غائب، وقد جرى ذكره قبل على وجه الخبر عن نفسه، كما قال خفاف بن ندبة: