الجهل والغباء من أهل ملتهم، وابتاعوا المآكل الخسيسة الرديئة فيها، بالايمان الذي كان يكون لهم به في الآخرة لو كانوا أتوا به مكان الكفر الخلود في الجنان. وإنما وصفهم الله جل ثناؤه بأنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة لأنهم رضوا بالدنيا بكفرهم بالله فيها عوضا من نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين، فجعل حظوظهم من نعيم الآخرة بكفرهم بالله ثمنا لما ابتاعوه به من خسيس الدنيا. كما:
حدثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة: استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة.
قال أبو جعفر: ثم أخبر الله جل ثناؤه أنهم إذ باعوا حظوظهم من نعيم الآخرة بتركهم طاعته، وإيثارهم الكفر به والخسيس من الدنيا عليه، لا حظ لهم في نعيم الآخرة، وأن الذي لهم في الآخرة العذاب غير مخفف عنهم فيها العذاب لان الذي يخفف عنه فيها من العذاب هو الذي له حظ في نعيمها، ولا حظ لهؤلاء لاشترائهم الذي كان في الدنيا ودنياهم بآخرتهم.
وأما قوله: ولا هم ينصرون فإنه أخبر عنهم أنه لا ينصرهم في الآخرة أحد فيدفع عنهم بنصرته عذاب الله، لا بقوته ولا بشفاعته ولا غيرهما. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون) * يعني بقوله جل ثناؤه: آتينا موسى الكتاب: أنزلناه إليه. وقد بينا أن معنى الايتاء:
الاعطاء فيما مضى قبل، والكتاب الذي آتاه الله موسى عليه السلام هو التوراة.
وأما قوله: وقفينا فإنه يعني: وأردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض، كما يقفو الرجل الرجل إذا سار في أثره من ورائه. وأصله من القفا، يقال منه: قفوت فلانا: إذا صرت خلف قفاه، كما يقال دبرته: إذا صرت في دبره. ويعني بقوله: من بعده: من بعد موسى. ويعني بالرسل الأنبياء، وهم جمع رسول، يقال: هو رسول وهم رسل، كما يقال: هو صبور وهم قوم صبر، وهو رجل شكور وهم قوم شكر.