وهذا يدل على صحة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتباع محمد (ص)، وأنهم كانوا يقولون هو مبعوث إلى غيرنا كما ذكرنا قبل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: واستعينوا بالصبر: استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم من طاعتي واتباع أمري، وترك ما تهوونه من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري، واتباع رسولي محمد (ص) بالصبر عليه والصلاة.
وقد قيل: إن معنى الصبر في هذا الموضع: الصوم، والصوم بعض معاني الصبر عندنا. بل تأويل ذلك عندنا: أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله، وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس محابها وكفها عن هواها ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر، لكفه نفسه عن الجزع وقيل لشهر رمضان: شهر الصبر، لصبر صائمه عن المطاعم والمشارب نهارا، وصبره إياهم عن ذلك: حبسه لهم، وكفه إياهم عنه، كما يصبر الرجل المسئ للقتل فيحبسه عليه حتى يقتله. ولذلك قيل: قتل فلان فلانا صبرا، يعني به حبسه عليه حتى قتله، فالمقتول مصبور، والقاتل صابر. وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى.
فإن قال لنا قائل: قد علمنا معنى الامر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة، فما معنى الامر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله، وترك معاصيه، والتعري عن الرياسة، وترك الدنيا؟ قيل: إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله، الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر نعيمها، المسلية النفوس عن زينتها وغرورها، المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها. ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها، كما روي عن نبينا (ص) أنه كان إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة.