يعني بقوله جل ثناؤه: وللكافرين عذاب مهين: وللجاحدين نبوة محمد (ص) من الناس كلهم عذاب من الله إما في الآخرة، وإما في الدنيا والآخرة مهين هو المذل صاحبه المخزي الملبسه هوانا وذلة.
فإن قال قائل: أي عذاب هو غير مهين صاحبه فيكون للكافرين المهين منه؟ قيل: إن المهين هو الذي قد بينا أنه المورث صاحبه ذلة وهوانا الذي يخلد فيه صاحبه لا ينتقل من هوانه إلى عز وكرامة أبدا، وهو الذي خص الله به أهل الكفر به وبرسله وأما الذي هو غير مهين صاحبه: فهو ما كان تمحيصا لصاحبه، وذلك هو كالسارق من أهل الاسلام يسرق ما يجب عليه به القطع فتقطع يده، والزاني منهم يزني فيقام عليه الحد، وما أشبه ذلك من العذاب، والنكال الذي جعله الله كفارات للذنوب التي عذب بها أهلها، وكأهل الكبائر من أهل الاسلام الذين يعذبون في الآخرة بمقادير أجرامهم التي ارتكبوها ليمحصوا من ذنوبهم ثم يدخلون الجنة. فإن كل ذلك وإن كان عذابا فغير مهين من عذب به، إذ كان تعذيب الله إياه به ليمحصه من آثامه ثم يورده معدن العز والكرامة ويخلده في نعيم الجنان. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) * يعني بقوله جل ثناؤه: وإذا قيل لهم وإذا قيل لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله (ص): آمنوا أي صدقوا، بما أنزل الله يعني بما أنزل الله من القرآن على محمد (ص). قالوا نؤمن أي نصدق، بما أنزل علينا يعني بالتوراة التي أنزلها الله على موسى.
القول في تأويل قوله تعالى: ويكفرون بما وراءه.
يعني جل ثناؤه بقوله: ويكفرون بما وراءه ويجحدون بما وراءه، يعني بما وراء التوراة.
قال أبو جعفر: وتأويل وراءه في هذا الموضع سوى كما يقال للرجل المتكلم بالحسن: ما وراء هذا الكلام شئ، يراد به ليس عند المتكلم به شئ سوى ذلك الكلام