بين الحق والباطل، والقضاء الذي فرق به بين الحق والباطل. قال: فكذلك أعطى الله موسى الفرقان، فرق الله بينهم، وسلمه الله وأنجاه فرق بينهم بالنصر، فكما جعل الله ذلك بين محمد والمشركين، فكذلك جعله بين موسى وفرعون.
قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية ما روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد، من أن الفرقان الذي ذكر الله أنه آتاه موسى في هذا الموضع هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل، وهو نعت للتوراة وصفة لها. فيكون تأويل الآية حينئذ: وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح، وفرقنا بها بين الحق والباطل. فيكون الكتاب نعتا للتوراة أقيم مقامها استغناء به عن ذكر التوراة، ثم عطف عليه بالفرقان، إذ كان من نعتها.
وقد بينا معنى الكتاب فيما مضى من كتابنا هذا، وأنه بمعنى المكتوب. وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالآية وإن كان محتملا غيره من التأويل، لان الذي قبله ذكر الكتاب، وأن معنى الفرقان الفصل، وقد دللنا على ذلك فيما مضى من كتابنا هذا، فإلحاقه إذ كان كذلك بصفة ما وليه أولى من إلحاقه بصفة ما بعد منه.
وأما تأويل قوله: لعلكم تهتدون فنظير تأويل قوله تعالى: لعلكم تشكرون ومعناه لتهتدوا. وكأنه قال: واذكروا أيضا إذ آتينا موسى التوراة التي تفرق بين الحق والباطل لتهتدوا بها وتتبعوا الحق الذي فيها لأني جعلتها كذلك هدى لمن اهتدى بها واتبع ما فيها. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) * وتأويل ذلك: واذكروا أيضا إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم. وظلمهم إياها كان فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه بها مما أوجب لهم العقوبة من الله تعالى، وكذلك كل فاعل فعلا يستوجب به العقوبة من الله تعالى فهو ظالم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالى. وكان الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسهم، هو ما أخبر الله عنهم من ارتدادهم باتخاذهم العجل ربا بعد فراق موسى إياهم، ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم والإنابة إلى الله من ردتهم بالتوبة إليه، والتسليم لطاعته فيما أمرهم به وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم. وقد دللنا فيما مضى على أن