وقد كان بعض نحويي البصرة يوجه قوله: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم إلى الحال، كأنه كان يرى أن معناه: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير مسؤول عن أصحاب الجحيم. وذلك إذا ضم التاء، وقرأه على معنى الخبر، وكان يجيز على ذلك قراءته: ولا تسأل، بفتح التاء وضم اللام على وجه الخبر بمعنى: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، غير سائل عن أصحاب الجحيم. وقد بينا الصواب عندنا في ذلك.
وهذان القولان اللذان ذكرتهما عن البصري في ذلك يرفعهما ما روي عن ابن مسعود وأبي من القراءة لان إدخالهما ما أدخلا من ذلك من ما، ولن يدل على انقطاع الكلام عن أوله وابتداء قوله: ولا تسأل وإذا كان ابتداء لم يكن حالا. وأما أصحاب الجحيم، فالجحيم هي النار بعينها إذا شبت وقودها، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
إذا شبت جهنم ثم دارت * وأعرض عن قوابسها الجحيم القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) * يعني بقوله جل ثناؤه: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم:
وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم. ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم لان اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا تجتمع النصرانية واليهودية في شخص واحد في حال واحدة، واليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك، إلا أن تكون يهوديا نصرانيا، وذلك مما لا يكون منك أبدا، لأنك شخص واحد، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة. وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل. وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فألزم هدى الله الذي لجمع الخلق إلى الألفة عليه سبيل، وأما الملة فإنها الدين وجمعها الملل.