الدعاوي غير مغنيتكم عند الله، وإنما يغني عنكم عنده ما سلف لكم من صالح أعمالكم إن كنتم عملتموها وقدمتموها. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * يعني تعالى ذكره بقوله: وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا وقالت اليهود لمحمد (ص) وأصحابه من المؤمنين: كونوا هودا تهتدوا، وقالت النصارى لهم: كونوا نصارى تهتدوا. تعني بقولها تهتدوا: أي تصيبوا طريق الحق. كما:
1726 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة جميعا، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله (ص): ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله عز وجل فيهم: وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين.
احتج الله لنبيه محمد (ص) أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعلمها محمدا نبيه (ص) فقال: يا محمد قل للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك: كونوا هودا أو نصارى تهتدوا، بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي تجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به، فإن دينه كان الحنيفية المسلمة، وندع سائر الملل التي نختلف فيها فينكرها بعضنا ويقر بها بعضنا، فإن ذلك على اختلافه لا سبيل لنا على الاجتماع عليه كما لنا السبيل إلا الاجتماع على ملة إبراهيم.
وفي نصب قوله: بل ملة إبراهيم أوجه ثلاثة: أحدها أن يوجه معنى قوله:
وقالوا كونوا هودا أو نصارى إلى معنى: وقالوا اتبعوا اليهودية والنصرانية، لأنهم إذ قالوا: كونوا هودا أو نصارى إلى اليهودية والنصرانية دعوهم، ثم يعطف على ذلك المعنى بالملة، فيكون معنى الكلام حينئذ: قل يا محمد لا نتبع اليهودية والنصرانية، ولا نتخذها ملة، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا، ثم يحذف نتبع الثانية، ويعطف بالملة على إعراب اليهودية والنصرانية. والآخر أن يكون نصبه بفعل مضمر بمعنى نتبع. والثالث أن يكون أريد: بل نكون أصحاب ملة إبراهيم، أو أهل ملة إبراهيم ثم حذف الأهل