لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك، ويكفرون بما جاءك من ربك.
وهذا التأويل من ابن عباس قد صرح عن أن السورة من أولها وإن كانت الآيات التي في أولها من نعت المؤمنين تعريض من الله عز وجل بذم الكفار أهل الكتاب، الذين زعموا أنهم بما جاءت به رسل الله عز وجل الذين كانوا قبل محمد صلوات الله عليهم وعليه مصدقون وهم بمحمد عليه الصلاة والسلام مكذبون، ولما جاء به من التنزيل جاحدون، ويدعون مع جحودهم ذلك أنهم مهتدون وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
فأكذب الله جل ثناؤه ذلك من قيلهم بقوله: * (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بها أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) *. وأخبر جل ثناؤه عباده أن هذا الكتاب هدى لأهل الايمان بمحمد (ص)، وبما جاء به المصدقين بما أنزل إليه وإلى من قبله من رسله من البينات والهدى خاصة، دون من كذب بمحمد (ص) وبما جاء به، وادعى أنه مصدق بمن قبل محمد عليه الصلاة والسلام من الرسل وبما جاء به من الكتب. ثم أكد جل ثناؤه أمر المؤمنين من العرب ومن أهل الكتاب المصدقين بمحمد عليه الصلاة والسلام وبما أنزل إليه وإلى من قبله من الرسل بقوله: * (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) * فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم، وأن غيرهم هم أهل الضلال والخسار. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) * اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله جل ثناؤه بقوله: أولئك على هدى من ربهم فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الصفتين المتقدمتين، أعني المؤمنين بالغيب من العرب والمؤمنين بما أنزل إلى محمد (ص) وإلى من قبله من الرسل، وإياهم جميعا وصف بأنهم على هدى منهم وأنهم هم المفلحون. ذكر من قال ذلك من أهل التأويل:
242 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي (ص): أما الذين يؤمنون بالغيب، فهم المؤمنون من العرب، والذين يؤمنون بما أنزل إليك: المؤمنون من أهل الكتاب. ثم جمع الفريقين فقال: أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون.