وإنما يعني جل ثناؤه بقوله: وقفينا من بعده بالرسل أي أتبعنا بعضهم بعضا على منهاج واحد وشريعة واحدة لان كل من بعثه الله نبيا بعد موسى (ص) إلى زمان عيسى ابن مريم، فإنما بعثه يأمر بني إسرائيل بإقامة التوراة والعمل بما فيها والدعاء إلى ما فيها، فلذلك قيل: وقفينا من بعده بالرسل يعني على منهاجه وشريعته، والعمل بما كان يعمل به.
القول في تأويل قوله تعالى: وآتينا عيسى ابن مريم البينات.
يعني بقوله: وآتينا عيسى ابن مريم البينات أعطينا عيسى ابن مريم. ويعني بالبينات التي آتاه الله إياها ما أظهر على يديه من الحجج والدلالة على نبوته من إحياء الموتى وإبراء الأكمة ونحو ذلك من الآيات التي أبانت منزلته من الله، ودلت على صدقه وصحة نبوته. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال:
ثنا محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: وآتينا عيسى ابن مريم البينات أي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله، وإبراء الاسقام، والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم، وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه.
القول في تأويل قوله تعالى: وأيدناه بروح القدس.
أما معنى قوله: وأيدناه فإنه قويناه فأعناه، كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير عن جويبر، عن الضحاك: وأيدناه يقول: نصرناه. يقال منه: أيدك الله: أي قواك، وهو رجل ذو أيد وذو آد، يراد: ذو قوة. ومنه قول العجاج:
من أن تبدلت بآدي آدا يعني بشبابي قوة المشيب. ومنه قول الآخر:
إن القداح إذا اجتمعن فرامها * بالكسر ذو جلد وبطش أيد