تزعمون أيها اليهود مؤمنين. وإنما عيرهم جل ثناؤه بقتل أوائلهم أنبياءه عند قولهم حين قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا لأنهم كانوا لأوائلهم الذين تولوا قتل أنبياء الله مع قيلهم: نؤمن بما أنزل علينا متولين، وبفعلهم راضين، فقال لهم: إن كنتم كما تزعمون مؤمنين بما أنزل عليكم، فلم تتولون قتله أنبياء الله؟ أي ترضون أفعالهم.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) * يعني جل ثناؤه بقوله: ولقد جاءكم موسى بالبينات أي جاءكم بالبينات الدالة على صدقه وحقية نبوته كالعصا التي تحولت ثعبانا مبينا، ويده التي أخرجها بيضاء للناظرين، وفلق البحر، ومصير أرضه له طريقا يبسا، والجراد والقمل والضفادع، وسائر الآيات التي بينت صدقه وحقية نبوته. وإنما سماها الله بينات لتبينها للناظرين إليها أنها معجزة لا يقدر على أن يأتي بها بشر إلا بتسخير الله ذلك له، وإنما هي جمع بينة مثل طيبة وطيبات.
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: ولقد جاءكم يا معشر يهود بني إسرائيل موسى بالآيات البينات على أمره وصدقه وحقية نبوته. وقوله: ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون يقول جل ثناؤه لهم: ثم اتخذتم العجل من بعد موسى إلها، فالهاء التي في قوله:
من بعده من ذكر موسى. وإنما قال: من بعد موسى، لأنهم اتخذوا العجل من بعد أن فارقهم موسى ماضيا إلى ربه لموعده، على ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا. وقد يجوز أن تكون الهاء التي في بعده إلى ذكر المجئ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعد مجئ البينات وأنتم ظالمون، كما تقول: جئتني فكرهته يعني كرهت مجيئك.
وأما قوله: وأنتم ظالمون فإنه يعني بذلك أنكم فعلتم ما فعلتم من عبادة العجل، وليس ذلك لكم وعبدتم غير الذي كان ينبغي لكم أن تعبدوه لان العبادة لا تنبغي لغير الله.
وهذا توبيخ من الله لليهود، وتعيير منه لهم، وإخبار منه لهم أنهم إذا كانوا فعلوا ما فعلوا من اتخاذ العجل إلها وهو لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، بعد الذي علموا أن ربهم هو الرب الذي