ثم قال:
بل عدا هذا في قريض غيره * واذكر فتى سمح الخليقة أروعا فكأنه قال: دع هذا وخذ في قريض غيره. ف " بل " إنما يأتي في كلام العرب على هذا النحو من الكلام. فأما افتتاحا لكلامها مبتدأ بمعنى التطويل والحذف من غير أن يدل على معنى، فذلك مما لا نعلم أحدا ادعاه من أهل المعرفة بلسان العرب ومنطقها، سوى الذي ذكرت قوله، فيكون ذلك أصلا يشبه به حروف المعجم التي هي فواتح سور القرآن التي افتتحت بها لو كان له مشبهة، فكيف وهي من الشبه به بعيدة؟ القول في تأويل قوله تعالى:
(ذلك الكتب لا ريب فيه هدى للمتقين (2)).
قال عامة المفسرين: تأويل قول الله تعالى: (ذلك الكتاب): هذا الكتاب. ذكر من قال ذلك:
201 - حدثني هارون بن إدريس الأصم الكوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن ابن جريج عن مجاهد: (ذلك الكتاب)، قال: هو هذا الكتاب.
202 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: (ذلك الكتاب): هذا الكتاب.
203 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيدي، قال:
حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي في قوله: (ذلك الكتاب) قال: هذا الكتاب.
204 - حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ذلك الكتاب): هذا الكتاب. قال: قال ابن عباس: (ذلك الكتاب): هذا الكتاب.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون " ذلك " بمعنى " هذا "؟ و " هذا " لا شك إشارة إلى حاضر معاين، و " ذلك " إشارة إلى غائب غير حاضر ولا معاين؟ قيل: جاز ذلك لان كل ما تقضى وقرب تقضيه من الاخبار فهو وإن صار بمعنى غير الحاضر، فكالحاضر عند المخاطب، وذلك كالرجل يحدث الرجل الحديث، فيقول السامع: إن ذلك والله لكما قلت، وهذا والله كما قلت، وهو والله كما ذكرت. فيخبر عنه مرة بمعنى الغائب إذ كان قد تقضى ومضى، ومرة بمعنى الحاضر لقرب جوابه من كلام مخبره كأنه غير منقض، فكذلك