ثم قال جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء النصارى واليهود الذين قالوا:
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى: إن هدى الله هو الهدى يعني أن بيان الله هو البيان المقنع والقضاء الفاصل بيننا، فهلموا إلى كتاب الله وبيانه الذي بين فيه لعباده ما اختلفوا فيه، وهو التوراة التي تقرون جميعا بأنها من عند الله، يتضح لكم فيها المحق منا من المبطل، وأينا أهل الجنة، وأينا أهل النار، وأينا على الصواب، وأينا على الخطأ وإنما أمر الله نبيه (ص) أن يدعوهم إلى هدى الله وبيانه، لان فيه تكذيب اليهود والنصارى فيما قالوا من أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى، وبيان أمر محمد (ص)، وأن المكذب به من أهل النار دون المصدق به.
القول في تأويل قوله تعالى: ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير.
يعني جل ثناؤه بقوله: ولئن اتبعت يا محمد هوى هؤلاء اليهود والنصارى، فيما يرضيهم عنك من تهود وتنصر، فصرت من ذلك إلى إرضائهم، ووافقت فيه محبتهم من بعد الذي جاءك من العلم بضلالتهم وكفرهم بربهم، ومن بعد الذي اقتصصت عليك من نبئهم في هذه السورة، ما لك من الله من ولي. يعني بذلك: ليس لك يا محمد من ولي يلي أمرك، وقيم يقوم به، ولا نصير ينصرك من الله، فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته، ويمنعك من ذلك إن أحل بك ذلك ربك. وقد بينا معنى الولي والنصير فيما مضى قبل.
وقد قيل إن الله تعالى ذكره أنزل هذه الآية على نبيه محمد (ص) لان اليهود والنصارى دعته إلى أديانها، وقال كل حزب منهم: إن الهدى هو ما نحن عليه دون ما عليه غيرنا من سائر الملل. فوعظه الله أن يفعل ذلك، وعلمه الحجة الفاصلة بينهم فيما ادعى كل فريق منهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) * اختلف أهل التأويل في الذين عناهم الله جل ثناؤه بقوله: الذين آتيناهم الكتاب فقال بعضهم: هم المؤمنون برسول الله (ص)، وبما جاء به من أصحابه: ذكر من قال ذلك: