* (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) * يعني جل ثناؤه بقوله: ولله المشرق والمغرب لله ملكهما وتدبيرهما، كما يقال:
لفلان هذه الدار، يعني بها أنها له ملكا، فذلك قوله: ولله المشرق والمغرب يعني أنهما له ملكا وخلقا. والمشرق: هو موضع شروق الشمس، وهو موضع طلوعها، كما يقال لموضع طلوعها منه مطلع بكسر اللام، وكما بينا في معنى المساجد آنفا.
فإن قال قائل: أو ما كان لله إلا مشرق واحد ومغرب واحد حتى قيل: ولله المشرق والمغرب؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه، وإنما معنى ذلك: ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم، والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم. فتأويله إذا كان ذلك معناه: ولله ما بين قطري المشرق، وما بين قطري المغرب، إذ كان شروق الشمس كل يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي بعده، وكذلك غروبها كل يوم.
فإن قال: أو ليس وإن كان تأويل ذلك ما ذكرت فلله كل ما دونه؟ الخلق خلقه قيل: بلى.
فإن قال: فكيف خص المشارق والمغارب بالخبر عنها أنها له في هذا الموضع دون سائر الأشياء غيرها؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله خص الله ذكر ذلك بما خصه به في هذا الموضع، ونحن مبينو الذي هو أولى بتأويل الآية بعد ذكرنا أقوالهم في ذلك. فقال بعضهم: خص الله جل ثناؤه ذلك بالخبر من أجل أن اليهود كانت توجه في صلاتها وجوهها قبل بيت المقدس، وكان رسول الله (ص) يفعل ذلك مدة، ثم حولوا إلى الكعبة، فاستنكرت اليهود ذلك من فعل النبي (ص) فقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فقال الله تبارك وتعالى لهم: المشارق والمغارب كلها لي أصرف وجوه عبادي كيف أشاء منها، فحيثما تولوا فثم وجه الله. ذكر من قال ذلك:
1519 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس، قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله (ص) لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله (ص) بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله (ص) يحب قبلة