قال أبو جعفر: وقوله: (فهم لا يرجعون) إخبار من الله جل ثناؤه عن هؤلاء المنافقين الذين نعتهم الله باشترائهم الضلالة بالهدى، وصممهم عن سماع الخير والحق، وبكمهم عن القيل بهما، وعماهم عن إبصارهما، أنهم لا يرجعون إلى الاقلاع عن ضلالاتهم، ولا يتوبون إلى الإنابة من نفاقهم، فآيس المؤمنين من أن يبصر هؤلاء رشدا، ويقولوا حقا، أو يسمعوا داعيا إلى الهدى، أو أن يذكروا فيتوبوا من ضلالتهم، كما آيس من توبة قادة كفار أهل الكتاب والمشركين وأحبارهم الذين وصفهم بأنه قد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وغشى على أبصارهم. وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
339 - حدثنا بشر بن معاذ، قال حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: (فهم لا يرجعون) أي لا يتوبون ولا يذكرون.
340 - وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة بن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فهم لا يرجعون) إلى الاسلام.
وقد روي عن ابن عباس قول يخالف معناه معنى هذا الخبر وهو ما:
341 - حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بين جبير، عن ابن عباس: (فهم لا يرجعون): أي فلا يرجعون إلى الهدى ولا إلى خير، فلا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه.
وهذا تأويل ظاهر التلاوة بخلافه، وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن القوم أنهم لا يرجعون عن اشترائهم الضلالة بالهدى إلى ابتغاء الهدى وإبصار الحق من غير حصر منه جل ذكره ذلك من حالهم إلى وقت دون وقت وحال دون حال. وهذا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس، ينبئ عن أن ذلك من صفتهم محصور على وقت وهو ما كانوا على أمرهم مقيمين، وأن لهم السبيل إلى الرجوع عنه. وذلك من التأويل دعوى باطلة لا دلالة عليها من ظاهر ولا من خبر تقوم بمثله الحجة فيسلم لها. القول في تأويل قوله تعالى:
(أو كصيب من السماء فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصرهم كلما أضاء لهم