كلام العرب على حرف واحد، فلما كانت الكاف من إياك هي كناية اسم المخاطب التي كانت تكون كافا وحدها متصلة بالفعل إذا كانت بعد الفعل، ثم كان حظها أن تعاد مع كل فعل اتصلت به، فيقال: اللهم إنا نعبدك ونستعينك ونحمدك ونشكرك وكان ذلك أفصح في كلام العرب من أن يقال: اللهم إنا نعبدك ونستعين ونحمد كان كذلك إذا قدمت كناية اسم المخاطب قبل الفعل موصولة ب إيا، كان الأفصح إعادتها مع كل فعل. كما كان الفصيح من الكلام إعادتها مع كل فعل، إذا كانت بعد الفعل متصلة به، وإن كان ترك إعادتها جائزا.
وقد ظن بعض من لم يمعن النظر أن إعادة إياك مع نستعين بعد تقدمها في قوله: إياك نعبد بمعنى قول عدي بن زيد العبادي:
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به * بين النهار وبين الليل قد فصلا وكقول أعشى همدان:
بين الأشج وبين قيس باذخ * بخ بخ لوالده وللمولود وذلك جهل من قائله من أجل أن حظ إياك أن تكون مكررة مع كل فعل لما وصفنا آنفا من العلة، وليس ذلك حكم بين لأنها لا تكون إذا اقتضت اثنين إلا تكريرا إذا أعيدت، إذ كانت لا تنفرد بالواحد. وأنها لو أفردت بأحد الاسمين في حال اقتضائها اثنين كان الكلام كالمستحيل وذلك أن قائلا لو قال: الشمس قد فصلت بين النهار، لكان من الكلام خلفا لنقصان الكلام عما به الحاجة إليه من تمامه الذي يقتضيه بين. ولو قال القائل: اللهم إياك نعبد لكان ذلك كلاما تاما. فكان معلوما بذلك أن حاجة كل كلمة كانت نظيرة إياك نعبد إلى إياك كحاجة نعبد إليها، وأن الصواب أن تكرر معها إياك، إذ كانت كل كلمة منها جملة خبر مبتدأ، وبينا حكم مخالفة ذلك حكم بين فيما وفق بينهما الذي وصفنا قوله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (اهدنا الصراط المستقيم) *