وعلمه بذلك وفضله، فقال: أنبئوني إن كنتم صادقين، كما يقول الرجل للرجل: أنبئني بهذا إن كنت تعلم، وهو يعلم أنه لا يعلم، يريد أنه جاهل. وهذا قول إذا تدبره متدبر علم أن بعضه مفسد بعضا، وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للملائكة إذ عرض عليهم أهل الأسماء: (أنبئوني بأسماء هؤلاء) وهو يعلم أنهم لا يعلمون، ولا هم ادعوا علم شئ يوجب أن يوبخوا بهذا القول. وزعم أن قوله: (إن كنتم صادقين) نظير قول الرجل للرجل: أنبئني بهذا إن كنت تعلم، وهو يعلم أنه لا يعلم، يريد أنه جاهل. ولا شك أن معنى قوله: (إن كنتم صادقين) إنما هو إن كنتم صادقين، إما في قولكم، وإما في فعلكم، لان الصدق في كلام العرب إنما هو صدق في الخبر لا في العلم، وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال صدق الرجل بمعنى علم. فإذا كان ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية:
(أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) وهو يعلم أنهم غير صادقين، يريد بذلك أنهم كاذبون. وذلك هو عين ما أنكره، لأنه زعم أن الملائكة لم تدع شيئا، فكيف جاز أن يقال لهم: إن كنتم صادقين فانبئوني بأسماء هؤلاء؟ هذا مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير.
وقد حكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأول قوله: (إن كنتم صادقين) بمعنى: إذ كنتم صادقين. ولو كانت " إن " بمعنى " إذ " في هذا الموضع لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها، لان " إذ " إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببا له، وذلك كقول القائل:
أقوم إذ قمت، فمعناه: أقوم من أجل أنك قمت، والامر بمعنى الاستقبال. فمعنى الكلام لو كانت إن بمعنى إذ: أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون. فإذا وضعت " إن " مكان ذلك، قيل: " أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين " مفتوحة الألف، وفي إجماع جميع قراء أهل الاسلام على كسر الألف من " إن " دليل واضح على خطأ تأويل من تأول " إن " بمعنى " إذ " في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى:
(قالوا سبحنك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)) قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله ذكره عن ملائكته بالأوبة إليه، وتسليم علم ما لم يعلموه له، وتبريهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئا إلا ما علمه تعالى ذكره.
وفي هذه الآيات الثلاث العبرة لمن اعتبر، والذكرى لمن ادكر، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عما أودع الله جل ثناؤه آي هذا القرآن من لطائف الحكم