قال أبو جعفر: وترك الهمز من بارئكم جائز، والابدال منها جائز، فإذ كان ذلك جائزا في باريكم فغير مستنكر أن تكون البرية من برى الله الخلق بترك الهمزة.
وأما قوله: ذلكم خير لكم عند بارئكم فإنه يعني بذلك توبتكم بقتلكم أنفسكم وطاعتكم ربكم خير لكم عند بارئكم لأنكم تنجون بذلك من عقاب الله في الآخرة على ذنبكم، وتستوجبون به الثواب منه. وقوله: فتاب عليكم أي بما فعلتم مما أمركم به من قتل بعضكم بعضا. وهذا من المحذوف الذي استغني بالظاهر منه عن المتروك، لان معنى الكلام: فتوبوا إلى بارئكم، فاقتلوا أنفسكم، ذلكم خير لكم عند بارئكم، فتبتم فتاب عليكم. فترك ذكر قوله فتبتم إذ كان في قوله: فتاب عليكم دلالة بينة على اقتضاء الكلام فتبتم. ويعني بقوله: فتاب عليكم رجع لكم ربكم إلى ما أحببتم من العفو عن ذنوبكم، وعظيم ما ركبتم، والصفح عن جرمكم إنه هو التواب الرحيم يعني الراجع لمن أناب إليه بطاعته إلى ما يحب من العفو عنه. ويعني بالرحيم: العائد إليه برحمته المنجية من عقوبته. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) * وتأويل ذلك: واذكروا أيضا إذ قلتم: يا موسى لن نصدقك ولن نقر بما جئتنا به حتى نرى الله جهرة عيانا، برفع الساتر بيننا وبينه، وكشف الغطاء دوننا ودونه حتى ننظر إليه بأبصارنا، كما تجهر الركية، وذلك إذا كان ماؤها قد غطاه الطين، فنفى ما قد غطاه حتى ظهر الماء وصفا، يقال منه: قد جهرت الركية أجهرها جهرا وجهرة ولذلك قيل: قد جهر فلان بهذا الامر مجاهرة وجهارا: إذا أظهره لرأي العين وأعلنه، كما قال الفرزدق بن غالب:
من اللائي يضل الألف منه * مسحا من مخافته جهارا