يعني بقوله: ولا زكا لم يصيرهم شفعا من وتر بحدوثه فيهم.
وإنما قيل للزكاة زكاة وهي مال يخرج من مال لتثمير الله بإخراجها مما أخرجت منه ما بقي عند رب المال من ماله. وقد يحتمل أن تكون سميت زكاة لأنها تطهير لما بقي من مال الرجل، وتخليص له من أن تكون فيه مظلمة لأهل السهمان، كما قال جل ثناؤه مخبرا عن نبيه موسى صلوات الله عليه: أقتلت نفسا زكية يعني بريئة من الذنوب طاهرة، وكما يقال للرجل: هو عدل زكى بذلك المعنى.
وهذا الوجه أعجب إلي في تأويل زكاة المال من الوجه الأول، وإن كان الأول مقبولا في تأويلها. وإيتاؤها: إعطاؤها أهلها.
وأما تأويل الركوع: فهو الخضوع لله بالطاعة، يقال منه: ركع فلان لكذا وكذا: إذا خضع له، ومنه قول الشاعر:
بيعت بكسر لتيم واستغاث بها * من الهزال أبوها بعدما ركعا يعني: بعد ما خضع من شدة الجهد والحاجة. وهذا أمر من الله جل ثناؤه لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها بالإنابة والتوبة إليه، وبإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والدخول مع المسلمين في الاسلام، والخضوع له بالطاعة. ونهي منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة محمد (ص) بعد تظاهر حججه عليهم بما قد وصفنا قبل فيما مضى من كتابنا هذا، وبعد الاعذار إليهم والانذار، وبعد تذكيرهم نعمه إليهم وإلى أسلافهم تعطفا منه بذلك عليهم وإبلاغا إليهم في المعذرة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) * قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى البر الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم، بعد إجماع جميعهم على أن كل طاعة لله فهي تسمى برا.
فروي عن ابن عباس ما: