ويعني بقوله: (وأنتم تنظرون) أي تنظرون إلى فرق الله لكم البحر وإهلاكه آل فرعون في الموضع الذي نجاكم فيه، وإلى عظيم سلطانه في الذي أراكم من طاعة البحر إياه من مصير ركاما فلقا (1) كهيئة الأطواد الشامخة غير زائل عن حده، انقيادا لأمر الله وإذعانا لطاعته، وهو سائل ذائب قبل ذلك. يوقفهم بذلك جل ذكره على موضع حججه عليم، ويذكرهم آلاءه عند أوائلهم، ويحذرهم في تكذيبهم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يحل بهم ما حل بفرعون وآله في تكذيبهم موسى عليه صلى الله عليه وسلم.
وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى قوله: (وأنتم تنظرون) كمعنى قول القائل:
" ضربت وأهلك ينظرون، فما أتوك ولا أعانوك " بمعنى: وهم قريب بمرأى ومسمع، وكقول الله تعالى: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) (2) وليس هناك رؤية، إنما هو علم.
والذي دعاه إلى هذا التأويل أنه وجه قوله: (وأنتم تنظرون): أي وأنتم تنظرون إلى غرق فرعون. فقال: قد كانوا في شغل من أن ينظروا مما اكتنفهم من البحر إلى فرعون وغرقه.
وليس التأويل الذي تأوله تأويل الكلام، إنما التأويل: وأنتم تنظرون إلى فرق الله البحر لكم على ما قد وصفنا آنفا، والتطام أمواج البحر بآل فرعون في الموضع الذي صير لكم في البحر طريقا يبسا، وذلك لا شك نظر عيان لا نظر علم كما ظنه قائل هذا القول الذي حكينا قوله. القول في تأويل قوله تعالى:
(وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51)) اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأ بعضهم: (واعدنا) بمعنى أن الله تعالى واعد موسى ملاقاة الطور لمناجاته، فكانت المواعدة من الله لموسى، ومن موسى لربه. وكان من حجتهم على اختيارهم قراءة (واعدا) على " وعدنا " أن قالوا: كل إيعاد كان بين اثنين للالتقاء أو الاجتماع، فكل واحد منهما مواعد صاحبه ذلك، فلذلك زعموا أنه وجب أن يقضى لقراءة من قرأ: (واعدنا) بالاختيار على قراءة من قرأ " وعدنا ".
وقرأ بعضهم: " وعدنا " بمعنى أن الله الواعد موسى، والمنفرد بالوعد دونه. وكان من حجتهم في اختيارهم ذلك، أن قالوا: إنما تكون المواعدة بين البشر، فأما الله جل ثناؤه فإنه المنفرد بالوعد والوعيد في كل خير وشر. قالوا: وبذلك جاء التنزيل في القرآن كله،