كما كان قوله: وإذ أخذنا ميثاقكم خبرا عن أسلافهم وإن كان خطابا للذين أدركوا رسول الله (ص) لان الله تعالى أخذ ميثاق الذين كانوا على عهد رسول الله موسى (ص) من بني إسرائيل على سبيل ما قد بينه لنا في كتابه، فألزم جميع من بعدهم من ذريتهم من حكم التوراة مثل الذي ألزم منه من كان على عهد موسى منهم. ثم أنب الذين خاطبهم بهذه الآيات على نقضهم ونقض سلفهم ذلك الميثاق، وتكذيبهم ما وكدوا على أنفسهم له بالوفاء من العهود، بقوله: ثم أقررتم وأنتم تشهدون فإذ كان خارجا على وجه الخطاب للذين كانوا على عهد نبينا (ص) منهم، فإنه معني به كل من واثق بالميثاق منهم على عهد موسى ومن بعده، وكل من شهد منهم بتصديق ما في التوراة لان الله جل ثناؤه لم يخصص بقوله: ثم أقررتم وأنتم تشهدون وما أشبه ذلك من الآي بعضهم دون بعض والآية محتملة أن يكون أريد بها جميعهم. فإذ كان ذلك كذلك فليس لأحد أن يدعي أنه أريد بها بعض منهم دون بعض. وكذلك حكم الآية التي بعدها، أعني قوله: ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم الآية لأنه قد ذكر لنا أن أوائلهم قد كانوا يفعلون من ذلك ما كان يفعله أواخرهم الذين أدركوا عصر نبينا محمد (ص). القول في تأويل قوله تعالى:
* (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) * قال أبو جعفر: ويتجه في قوله: ثم أنتم هؤلاء وجهان: أحدهما أن يكون أريد به: ثم أنتم يا هؤلاء، فترك يا استغناء بدلالة الكلام عليه، كما قال: يوسف أعرض عن هذا وتأويله: يا يوسف أعرض عن هذا. فيكون معنى الكلام حينئذ: ثم أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم، ثم أقررتم بعد شهادتكم على أنفسكم بأن ذلك حق لي عليكم