فإذا كان معنى الفتح ما وصفنا، تبين أن معنى قوله: قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم إنما هو أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم وقضاه فيكم، ومن حكمه جل ثناؤه عليهم ما أخذ به ميثاقهم من الايمان بمحمد (ص)، وبما جاء به في التوراة، ومن قضائه فيهم أن جعل منهم القردة والخنازير، وغير ذلك من أحكامه وقضائه فيهم، وكل ذلك كان لرسول الله (ص) وللمؤمنين به حجة على المكذبين من اليهود المقرين بحكم التوراة وغير ذلك. فإن كان كذلك فالذي هو أولى عندي بتأويل الآية قول من قال:
معنى ذلك: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من بعث محمد (ص) إلى خلقه لان الله جل ثناؤه إنما قص في أول هذه الآية الخبر عن قولهم لرسول الله (ص) ولأصحابه: آمنا بما جاء به محمد (ص) فالذي هو أولى بآخرها أن يكون نظير الخبر عما ابتدئ به أولها. وإذا كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون تلاومهم كان فيما بينهم فيما كانوا أظهروه لرسول الله (ص) ولأصحابه من قولهم لهم: آمنا بمحمد (ص) وبما جاء به، وكان قيلهم ذلك من أجل أنهم يجدون ذلك في كتبهم وكانوا يخبرون أصحاب رسول الله (ص) بذلك، فكان تلاومهم فيما بينهم إذا خلوا على ما كانوا يخبرونهم بما هو حجة للمسلمين عليهم عند ربهم. وذلك أنهم كانوا يخبرونهم عن وجود نعت محمد (ص) في كتبهم ويكفرون به، وكان فتح الله الذي فتحه للمسلمين على اليهود وحكمه عليهم لهم في كتابهم أن يؤمنوا بمحمد (ص) إذا بعث، فلما بعث كفروا به مع علمهم بنبوته.
وقوله: أفلا تعقلون خبر من الله تعالى ذكره عن اليهود اللائمين إخوانهم على ما أخبروا أصحاب رسول الله (ص) بما فتح الله لهم عليهم أنهم قالوا لهم: أفلا تفقهون أيها القوم وتعقلون أن إخباركم أصحاب النبي (ص) بما في كتبكم أنه نبي مبعوث حجة لهم عليكم عند ربكم يحتجون بها عليكم؟ أي فلا تفعلوا ذلك، ولا تقولوا لهم مثل ما قلتم، ولا تخبروهم بمثل ما أخبرتموهم به من ذلك. فقال جل ثناؤه: أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) * يعني بقوله جل ثناؤه: أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون أو لا يعلم هؤلاء اللائمون من اليهود إخوانهم من أهل ملتهم، على كونهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وعلى إخبارهم المؤمنين بما في كتبهم من نعت رسول الله (ص)، ومبعثه، القائلون