وسبحت المدينة لا تلمها * رأت قمرا بسوقهم نهارا وإنما أراد: وسبح أهل المدينة. وإنما أمرهم جل ثناؤه في هذا الموضع بما أمرهم به من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسهم، ليطهروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود، وركون من كان ركن منهم إليهم، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله (ص) بقوله: راعنا إذ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب، وإيتاء الزكاة تطهيرا للنفوس والأبدان من أدناس الآثام، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله.
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله بما تعملون بصير.
وهذا خبر من الله جل ثناؤه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير وشر سرا وعلانية، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شئ، فيجزيهم بالاحسان جزاءه وبالإساءة مثلها. وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر، فإن فيه وعدا ووعيدا، وأمرا وزجرا وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدوا في طاعته، إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه، كما قال: وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله وليحذروا معصيته، إذ كان مطلعا على راكبها بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها.
وما أوعد عليه ربنا جل ثناؤه فمنهي عنه، وما وعد عليه فمأمور به.
وأما قوله: بصير فإنه مبصر صرف إلى بصير، كما صرف مبدع إلى بديع، ومؤلم إلى أليم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * يعني جل ثناؤه بقوله: وقالوا وقالت اليهود والنصارى: لن يدخل الجنة.
فإن قال قائل: وكيف جمع اليهود والنصارى في هذا الخبر مع اختلاف مقالة الفريقين، واليهود تدفع النصارى عن أن يكون لها في ثواب الله نصيب، والنصارى تدفع اليهود عن مثل ذلك؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه، وإنما عنى به: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا النصارى.
ولكن معنى الكلام لما كان مفهوما عند المخاطبين به معناه جمع الفريقان في الخبر عنهما، فقيل: قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى الآية، أي قالت اليهود: لن