يفعل من الأعاجيب وبدائع الأفعال ما أجراه على يدي موسى صلوات الله عليه من الأمور التي لا يقدر عليها أحد من خلق الله، ولم يقدر عليها فرعون وجنده مع بطشه وكثرة أتباعه، وقرب عهدهم بما عاينوا من عجائب حكم الله فهم إلى تكذيب محمد (ص) وجحوده ما في كتبهم التي زعموا أنهم بها مؤمنون من صفته ونعته مع بعد ما بينهم وبين عهد موسى من المدة أسرع، وإلى التكذيب بما جاءهم به موسى من ذلك أقرب. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين) * يعني بقوله جل ثناؤه: وإذ أخذنا ميثاقكم: واذكروا إذ أخذنا عهودكم بأن خذوا ما آتيناكم من التوراة التي أنزلتها إليكم أن تعملوا بما فيها من أمري، وتنتهوا عما نهيتكم فيها بجد منكم في ذلك ونشاط، فأعطيتم على العمل بذلك ميثاقكم، إذ رفعنا فوقكم الجبل.
أما قوله: واسمعوا فإن معناه: واسمعوا ما أمرتكم به، وتقبلوه بالطاعة كقول الرجل للرجل يأمره بالأمر: سمعت وأطعت، يعني بذلك: سمعت قولك وأطعت أمرك. كما قال الراجز:
السمع والطاعة والتسليم * خير وأعفى لبني تميم يعني بقوله السمع: قبول ما يسمع والطاعة لما يؤمر. فكذلك معنى قوله:
واسمعوا اقبلوا ما سمعتم واعملوا به.
قال أبو جعفر: فمعنى الآية: وإذ أخذنا ميثاقكم أن خذوا ما آتيناكم بقوة، واعملوا بما سمعتم، وأطيعوا الله، ورفعنا فوقكم الطور من أجل ذلك.
وأما قوله: قالوا سمعنا فإن الكلام خرج مخرج الخبر عن الغائب بعد أن كان الابتداء بالخطاب، فإن ذلك كما وصفنا من أن ابتداء الكلام إذا كان حكاية فالعرب تخاطب فيه ثم تعود فيه إلى الخبر عن الغائب وتخبر عن الغائب ثم تخاطب كما بينا ذلك فيما مضى