قال: لما قالت اليهود ما قالت، قال الله عز وجل: قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده وقال في مكان آخر: وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون. ثم أخبر الخبر فقال: بلى من كسب سيئة.
وهذه الأقوال التي رويناها عن ابن عباس ومجاهد وقتادة بنحو ما قلنا في تأويل قوله: قل أتخذتم عند الله عهدا لان مما أعطاه الله عباده من ميثاقه أن من آمن به وأطاع أمره نجاه من ناره يوم القيامة. ومن الايمان به الاقرار بأن لا إله إلا الله، وكذلك من ميثاقه الذي واثقهم به أن من أتى الله يوم القيامة بحجة تكون له نجاة من النار فينجيه منها. وكل ذلك وإن اختلفت ألفاظ قائليه، فمتفق المعاني على ما قلنا فيه، والله تعالى أعلم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * وقوله: بلى من كسب سيئة تكذيب من الله القائلين من اليهود: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وإخبار منه لهم أنه يعذب من أشرك وكفر به وبرسله وأحاطت به ذنوبه فمخلده في النار فإن الجنة لا يسكنها إلا أهل الايمان به وبرسوله، وأهل الطاعة له، والقائمون بحدوده. كما:
حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له من حسنة، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
قال: وأما بلى فإنها إقرار في كل كلام في أوله جحد، كما نعم إقرار في الاستفهام الذي لا جحد فيه، وأصلها بل التي هي رجوع عن الجحد المحض في قولك:
ما قام عمرو بل زيد فزيد فيها الياء ليصلح عليها الوقوف، إذ كانت بل لا يصلح عليها الوقوف، إذ كانت عطفا ورجوعا عن الجحد،