قال: إنما تكلموا بما أعلمهم أنه كائن من خلق آدم، فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء.
وقال بعضهم: إنما قالت الملائكة ما قالت: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء لان الله أذن لها في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرها أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم فأجابهم ربهم: إني أعلم ما لا تعلمون يعني أن ذلك كائن منهم وإن لم تعلموه أنتم، ومن بعض من ترونه لي طائعا. يعرفهم بذلك قصور علمهم عن علمه.
وقال بعض أهل العربية: قول الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها على غير وجه الانكار منهم على ربهم، وإنما سألوه ليعلموا، وأخبروا عن أنفسهم أنهم يسبحون. وقال:
قالوا ذلك لأنهم كرهوا أن يعصى الله، لان الجن قد كانت أمرت قبل ذلك فعصت.
وقال بعضهم: ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك، فكأنهم قالوا: يا رب خبرنا مسألة استخبار منهم لله لا على وجه مسألة التوبيخ.
قال أبو جعفر: وأولى هذه التأويلات بقول الله جل ثناؤه مخبرا عن ملائكته قيلها له:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك تأويل من قال: إن ذلك منها استخبار لربها بمعنى: أعلمنا يا ربنا، أجاعل أنت في الأرض من هذه صفته وتارك أن تجعل خلفاءك منا، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك؟ لا إنكار منها لما أعلمها ربها أنه فاعل، وإن كانت قد استعظمت لما أخبرت بذلك أن يكون لله خلق يعصيه . وأما دعوى من زعم أن الله جل ثناؤه كان أذن لها بالسؤال عن ذلك فسألته على وجه التعجب، فدعوى لا دلالة عليها في ظاهر التنزيل ولا خبر بها من الحجة يقطع العذر، وغير جائز أن يقال في تأويل كتاب الله بما لا دلالة عليه من بعض الوجوه التي تقوم بها الحجة.
وأما وصف الملائكة من وصفت في استخبارها ربها عنه بالفساد في الأرض وسفك الدماء، فغير مستحيل فيه ما روي عن ابن عباس وابن مسعود من القول الذي رواه السدي ووافقهما عليه قتادة من التأويل. وهو أن الله جل ثناؤه أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة