وهذا القول يحتمل ما حكي عن الحسن، ويحتمل أن يكون أراد ابن زيد أن الله أخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة له، يحكم فيها بين خلقه بحكمه، نظير ما:
حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي (ص): أن الله جل ثناؤه قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا: ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فكان تأويل الآية على هذه الرواية التي ذكرناها عن ابن مسعود وابن عباس: إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي، وذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه.
وأما الافساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خلفائه، ومن غير آدم ومن قام مقامه في عباد الله لأنهما أخبرا أن الله جل ثناؤه قال لملائكته إذ سألوه: ما ذاك الخليفة: إنه خليفة يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فأضاف الافساد وسفك الدماء بغير حقها إلى ذرية خليفته دونه وأخرج منه خليفته.
وهذا التأويل وإن كان مخالفا في معنى الخليفة ما حكي عن الحسن من وجه، فموافق له من وجه. فأما موافقته إياه فصرف متأوليه إضافة الافساد في الأرض وسفك الدماء فيها إلى غير الخليفة. وأما مخالفته إياها فإضافتهما الخلافة إلى آدم بمعنى استخلاف الله إياه فيها، وإضافة الحسن الخلافة إلى ولده بمعنى خلافة بعضهم بعضا، وقيام قرن منهم مقام قرن قبلهم، وإضافة الافساد في الأرض وسفك الدماء إلى الخليفة. والذي دعا المتأولين قوله: إني جاعل في الأرض خليفة في التأويل الذي ذكر عن الحسن إلى ما قالوا في ذلك أنهم قالوا إن الملائكة إنما قالت لربها إذ قال لهم ربهم: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء إخبارا منها بذلك عن الخليفة الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه جاعله في الأرض لا غيره لان المحاورة بين الملائكة وبين ربها عنه جرت.
قالوا: فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله قد برأ آدم من الافساد في الأرض وسفك الدماء وطهره من ذلك، علم أن الذي عنى به غيره من ذريته، فثبت أن الخليفة الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء هو غير آدم، وأنهم ولده الذين فعلوا ذلك، وأن معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرن منهم قرنا غيرهم لما وصفنا. وأغفل قائلو هذه المقالة