تكون له ذرية يفعلون كذا وكذا، فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها على ما وصفت من الاستخبار.
فإن قال لنا قائل: وما وجه استخبارها والامر على ما وصفت من أنها قد أخبرت أن ذلك كائن؟ قيل: وجه استخبارها حينئذ يكون عن حالهم عند وقوع ذلك، وهل ذلك منهم؟
ومسألتهم ربهم أن يجعلهم الخلفاء في الأرض حتى لا يعصوه.
وغير فاسد أيضا ما رواه الضحاك عن ابن عباس وتابعه عليه الربيع بن أنس من أن الملائكة قالت ذلك لما كان عندها من علم سكان الأرض قبل آدم من الجن، فقالت لربها:
أجاعل فيها أنت مثلهم من الخلق يفعلون مثل الذي كانوا يفعلون؟ على وجه الاستعلام منهم لربهم، لا على وجه الايجاب أن ذلك كائن كذلك، فيكون ذلك منها إخبارا عما لم تطلع عليه من علم الغيب.
وغير خطأ أيضا ما قاله ابن زيد من أن يكون قيل الملائكة ما قالت من ذلك على وجه التعجب منها من أن يكون لله خلق يعصي خالقه.
وإنما تركنا القول بالذي رواه الضحاك عن ابن عباس ووافقه عليه الربيع بن أنس وبالذي قاله ابن زيد في تأويل ذلك لأنه لا خبر عندنا بالذي قالوه من وجه يقطع مجيئه العذر ويلزم سامعه به الحجة. والخبر عما مضى وما قد سلف، لا يدرك علم صحته إلا بمجيئه مجيئا يمتنع منه التشاغب والتواطؤ، ويستحيل منه الكذب والخطأ والسهو. وليس ذلك بموجود كذلك فيما حكاه الضحاك عن ابن عباس ووافقه عليه الربيع، ولا فيما قاله ابن زيد. فأولى التأويلات إذ كان الامر كذلك بالآية، ما كان عليه من ظاهر التنزيل دلالة مما يصح مخرجه في المفهوم.
فإن قال قائل: فإن كان أولى التأويلات بالآية هو ما ذكرت من أن الله أخبر الملائكة بأن ذرية خليفته في الأرض يفسدون فيها ويسفكون فيها الدماء، فمن أجل ذلك قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها فأين ذكر إخبار الله إياهم في كتابه بذلك؟ قيل له:
اكتفي بدلالة ما قد ظهر من الكلام عليه عنه، كما قال الشاعر: