الخبر هو الذي غلط على من رواه عنه من الصحابة، وأن يكون التأويل منهم كان على ذلك: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فيما ظننتم أنكم أدركتموه من العلم بخبري إياكم أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، حتى استجزتم أن تقولوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فيكون التوبيخ حينئذ واقعا على ما ظنوا أنهم قد أدركوا بقول الله لهم: إنه يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، لا على إخبارهم بما أخبرهم الله به أنه كائن. وذلك أن الله جل ثناؤه وإن كان أخبرهم عما يكون من بعض ذرية خليفته في الأرض ما يكون منه فيها من الفساد وسفك الدماء، فقد كان طوى عنهم الخبر عما يكون من كثير منهم ما يكون من طاعتهم ربهم وإصلاحهم في أرضه وحقن الدماء ورفعه منزلتهم وكرامتهم عليه، فلم يخبرهم بذلك، فقالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء على ظن منها على تأويل هذين الخبرين اللذين ذكرت، وظاهرهما أن جميع ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض يفسدون فيها ويسفكون فيها الدماء. فقال الله لهم إذ علم آدم الأسماء كلها: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أنكم تعلمون أن جميع بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء على ما ظننتم في أنفسكم، إنكارا منه جل ثناؤه لقيلهم ما قالوا من ذلك على الجميع والعموم، وهو من صفة خاص ذرية الخليفة منهم. وهذا الذي ذكرناه هو صفة منا لتأويل الخبر لا القول الذي نختاره في تأويل الآية.
ومما يدل على ما ذكرنا من توجيه خبر الملائكة عن إفساد ذرية الخليفة وسفكها الدماء على العموم، ما:
حدثنا به أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن سابط، قوله: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال: يعنون الناس.
وقال آخرون في ذلك بما:
حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة فاستشار الملائكة في خلق آدم، فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقد علمت الملائكة من علم الله