من شريعتهم في الجاهلية أن المرأة إذا زنت حبست في بيت، وأقيم بأودها حتى يأتيها الموت. وإذا زنى الرجل نفوه عن مجالسهم وشتموه وآذوه وعيروه، ولم يكونوا يعرفون غير هذا. قال الله تعالى في أول الإسلام * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) * (1). فلما كثر المسلمون وقوي الإسلام واستوحشوا الأمور الجاهلية أنزل الله " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " إلى آخر الآية، فنسخت هذه الآية آية الحبس والأذى (2).
وقال الجصاص - بعد ذكر الآية -: لم يختلف السلف في أن ذلك كان حد الزانية في الإسلام، وأنه منسوخ (3).
وقال الزرقاني - بعد أن ذكر أن الآية منسوخة بآية النور -: وذلك بالنسبة إلى البكر رجلا كان أو امرأة، أما الثيب من الجنسين فقد نسخ الحكم الأول بالنسبة إليهما، وابدل بالرجم الذي دلت عليه تلك الآية المنسوخة التلاوة، وهي " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة ". وقد دلت عليه السنة أيضا (4).
ونجد في قبال هؤلاء من قال بأن الآية غير منسوخة، إما لأن الحكم وهو الحبس لم يكن مؤبدا بل كان مغيى بغاية، وفقدان الحكم لحصول الغاية ليس نسخا، كما لو قيل: أحبس فلانا إلى الظهر، فجاء الظهر (5).
وإما لعدم التنافي بين الآيتين، فإن الحكم الأول وهو الحبس شرع للتحفظ عن الوقوع في الفاحشة مرة أخرى، والحكم الثاني وهو الحد شرع للتأديب على الجريمة الأولى وصونا لباقي النساء عن ارتكاب مثلها، فلا تنافي بين الحكمين،