والذي يقتضيه النظر هنا - كما قيل - هو أن القرآن اسم للكلام الخاص الشخصي غير القابل للتعدد والاختلاف. ويؤيده ما في أخبارنا من أن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة (1). وأيضا فإن الأمر بقراءة القرآن إنما هو أمر بحكاية ألفاظه بقدر الإمكان، لا القراءة على النهج العربي كيف كان.
وحيث لم يثبت تواتر القراءات فلابد وأن ينظر في أسانيد تلك الأخبار التي هي آحاد غير متواترة، فأي قراءة نقلت بسند جامع لشروط الحجية اخذ بها، وإلا فلابد من الاحتياط بتكرار القراءات في صلاة واحدة أو في صلوات. هذا مع قطع النظر عن الإجماع المنقول من الإمامية ومن غيرهم، نقلا متواترا على أن كل واحدة من القراءات السبع تكفي في القراءة وتجزي.
ويؤيده بل يدل عليه ما في أخبارنا من الأمر بقراءة القرآن، لدرك فيوضاته وتحصيل الثواب الجزيل عليه، وهي كثيرة جدا، وقد عقد الشيخ الحر العاملي رضوان الله عليه في كتابه " وسائل الشيعة " ما يقرب من خمسين بابا (2)، وهي دالة على جواز القراءات الشائعة في عصر الأئمة (عليهم السلام)، لأن كل شيعي إذا سمع من إمامه الحث على قراءة القرآن وأراد أن يمتثل ذلك فإنه يقرأ بما كان متداولا في بلده وشائعا عنده.
ويؤيده أيضا ما في أخبار كثيرة دالة على أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يأمرون شيعتهم بقراءة ما يقرأه الناس وينهونهم عن القراءة بغيره، وهي ذات تعبيرات مختلفة، ففي بعضها: " اقرأوا كما علمتم " (3) وفي آخر: " اقرأوا كما تعلمتم " (4) وفي ثالث - حينما ذكر الراوي أنه يسمع حروفا من القرآن ليست على ما يقرأ الناس، قال له الإمام (عليه السلام) -: " اقرأ كما يقرأ الناس " (5).