وقال الحلبي في السيرة: وقال بعضهم: كان معاوية وزيد بن ثابت ملازمين للكتابة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الوحي وغيره، لا عمل لهما غير ذلك (1).
وقد تقدم ذلك في ذكر زيد.
لكنك إذا تدبرت فيما نقلناه وجدت أن ما عدا ما نقلناه عن الحلبي في السيرة لا يدل على أن معاوية كان يكتب الوحي، بل أقصى ما يدل عليه هو أنه كان يكتب للنبي (صلى الله عليه وآله). ولو صح لنا الاستناد إلى ما في السيرة بمفرده وقلنا إنه كان يكتب الوحي له (صلى الله عليه وآله) فمن الواضح أن كتابته لم تكن إلا لأيام قلائل حيث إنه قد أسلم قبل وفاته (صلى الله عليه وآله) بمدة يسيرة.
وقد أنكر جماعة كتابته للوحي منهم العلامة الحلي (رحمه الله) حيث قال في كشف الحق: كان إسلام معاوية قبل موته (صلى الله عليه وآله) بخمسة أشهر. وطرح نفسه إلى العباس ليشفع له إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيعفي عنه، ثم شفع إليه أن يكون من جملة خمسة عشر ليكتب له الرسائل (2).
وحول هذا الموضوع كتب الأستاذ العقاد في كتابه " معاوية بن أبي سفيان في الميزان " يقول فيه: وقد تعلم معاوية القراءة والكتابة والحساب. وتتفق الأخبار على كتابته للنبي (صلى الله عليه وآله) ولا تتفق على كتابته للوحي، ولا على حفظه لآيات من القرآن تلقاها من النبي، كما كان كتاب الوحي يتلقون الآيات لساعتها. والأرجح أنه لم يكن معروفا بحفظ شئ من كتابة الوحي في أيام جمع القرآن الكريم. ولو علم عثمان - وهو من ذوي قرابته - أن عنده مرجعا من المراجع يثوب إليه لرجع إليه كما رجع إلى غيره (3).
ولا مجال لنا هنا لاستقصاء المنكرين لكتابة معاوية للوحي، وقد عرفت جميع ما تقدم - ما عدا ما نقلناه عن الحلبي في السيرة - إذ لا يدل على ذلك، حتى كلام الصدوق، فإن كلامه إنما هو على فرض صحة قول الناس لذلك، فإنه لا يوجب له شرفا ولا منزلة.