الطائفة الثالثة: روايات تدل على أن القرآن كان يجمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) من الصحابة، وهي كثيرة:
منها: ما رواه البخاري عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك (رضي الله عنه): من جمع القرآن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه (1).
قال الشارح العسقلاني: قوله " أبو زيد ونحن ورثناه " القائل ذلك هو أنس، وقد تقدم في مناقب زيد بن ثابت. قال قتادة: قلت: ومن أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي (2).
ومنها: ما أخرجه النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال: جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أقرأه في شهر (3).
ومنها: ما رواه الحاكم عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وفيه الدليل الواضح على أن القرآن إنما جمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
وثمة روايات أخرى تدل على أن القرآن قد جمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تركنا ذكرها لئلا يطول المقام، فمن أرادها فليراجع الإتقان للسيوطي (5).
وبعد كل ما تقدم فلا مجال للقول بأن زيدا قد جمع القرآن بعد النبي بشاهد أو بشاهدين من صدور الرجال، سيما مع وجود هذه الأخبار التي لا يسع من يقول بصحتها إلا الأخذ والالتزام بها بشكل كامل.
وأما احتمال أن يكون المراد في هذه الروايات هو الجمع في الصدور (6) فهو خلاف الظاهر من هذه الأحاديث، سيما حديث زيد في قوله: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع.