(إنهم كفروا) وإن كان في موضع التعليل لتحقيق الإخبار بأنهم على الصفة التي ذكرها.
المعنى: ثم نهى سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة عليهم، فقال: (ولا تصل) يا محمد (على أحد منهم) أي: من المنافقين (مات أبدا) أي: بعد موته فإنه عليه السلام، كان يصلي عليهم، ويجري عليهم أحكام المسلمين (ولا تقم على قبره) أي: لا تقف على قبره للدعاء فإنه عليه السلام كان إذا صلى على ميت، يقف على قبره ساعة، ويدعو له، فنهاه الله تعالى عن الصلاة على المنافقين، والوقوف على قبورهم، والدعاء لهم.
ثم بين سبحانه سبب الأمرين، فقال: (إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) فما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك على منافق، حتى قبض. وفي هذه الآية دلالة على أن القيام على القبر للدعاء، عبادة مشروعة، ولولا ذلك لم يخص سبحانه بالنهي عنه الكافر. وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على عبد الله بن أبي، وألبسه قميصه قبل أن ينهى عن الصلاة على المنافقين، عن ابن عباس، وجابر، وقتادة.
وقيل: إنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يصلي عليه، فأخذ جبرائيل بثوبه، وتلا عليه: (ولا تصل على أحد منهم) الآية، عن أنس، والحسن.
وروي أنه قيل لرسول الله: لم وجهت بقميصك إليه يكفن فيه، وهو كافر؟
فقال: إن قميصي لن تغني عنه من الله شيئا، وإني أؤمل من الله أن يدخل بهذا السبب في الاسلام خلق كثير. فروي أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وذكره الزجاج، قال: والأكثر في الرواية أنه لم يصل عليه.
(ولا تعجبك أموالهم وأولادهم) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد به الأمة (إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا) بما يلحقهم فيها من المصائب والغموم، وبما يأخذها منهم المسلمون على وجه الغنيمة، وبما يشق عليهم من اخراجها في الزكاة والإنفاق في سبيل الله، مع اعتقادهم بطلان لإسلام، فيشد عليهم فيكون ذلك عذابا لهم (وتزهق أنفسهم) أي: تهلك بالموت (وهم كافرون) أي: في حال كفرهم. وقد مضى تفسير مثل هده الآية، وإنما كرر للتذكير في موطنين، مع بعد أحدهما عن الآخر، ويجوز أن يكون الآيتان في فريقين من المنافقين، فيكون كما