فضاقت عليه المدينة، فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها، ثم كثرت نموا حتى تباعد عن المدينة، فاشتغل بذلك عن الجمعة والجماعة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه المصدق ليأخذ الصدقة، فأبى وبخل وقال: ما هذه إلا أخت الجزية! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ويح ثعلبة! يا ويح ثعلبة! وأنزل الله الآيات، عن أبي أمامة الباهلي وروى ذلك مرفوعا.
وقيل: إن ثعلبة أتى مجلسا من الأنصار، فأشهدهم فقال: لئن أتاني الله من فضله تصدقت منه، وآتيت كل ذي حق حقه، ووصلت منه القرابة. فابتلاه الله، فمات ابن عم له، فورثه مالا، ولم يف بما قال. فنزلت، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة.
وقيل: نزلت في ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهما من بني عمرو بن عوف، قالا: لئن رزقنا الله مالا، لنصدقن. فلما رزقهما الله المال، بخلا به، عن الحسن، ومجاهد. وقيل: نزلت في رجال من المنافقين: نبتل بن الحارث، وجد بن قيس، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، عن الضحاك. وقيل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، كان له مال بالشام، فأبطأ عليه، وجهد لذلك جهدا شديدا، فحلف لئن آتاه الله ذلك المال، ليصدقن. فآتاه الله تعالى ذلك، فلم يفعل، عن الكلبي.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عنهم، فقال: (ومنهم) أي: من جملة المنافقين الذين تقدم ذكرهم (من عاهد الله لئن آتانا من فضله) أي: لئن أعطانا من رزقه (لنصدقن) أي: لنتصدقن على الفقراء (ولنكونن من الصالحين) بإنفاقه في طاعة الله، وصلة الرحم، ومؤاساة أهل الحاجة (فلما آتاهم من فضله) أي أعطاهم ما اقترحوه، ورزقهم ما تمنوه من الأموال (بخلوا به) أي: شحت نفوسهم عن الوفاء بالعهد، ومنعوا حق الله منه (وتولوا) عن فعل ما أمرهم الله به (وهم معرضون) عن دين الله تعالى.
(فأعقبهم نفاقا في قلوبهم) أي: فأورثهم بخلهم بما أوجبوا الله تعالى على أنفسهم النفاق في قلوبهم، وأداهم إلى ذلك، عن الحسن، كأنهم حصلوا على النفاق بسبب البخل، وهذا كمن يقول لابنه أعقبك صحبة فلان ترك التعلم. وقيل:
معناه أعقبهم الله بذلك حرمان التوبة، كما حرم إبليس، عن مجاهد. وأراد بذلك أنه