وقيل: معناه هذه الدعوة التي أدعو إليها، ديني وطريقي، عن مقاتل، والجبائي. ثم فسر ذلك بقوله (أدعو إلى الله على بصيرة) أي: أدعو إلى توحيد الله، وعدله، ودينه، على يقين، ومعرفة، وحجة قاطعة، لا على وجه التقليد (أنا ومن اتبعني) أي: أدعوكم أنا، ويدعوكم أيضا إليه من آمن بي ويذكر بالقرآن والموعظة، وينهى عن معاصي الله. قال ابن الأنباري: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله (أدعو إلى الله) ثم ابتدأ وقال: (على بصيرة أنا ومن اتبعني) وهذا معنى قول ابن عباس إنه يعني أصحاب محمد، كانوا على أحسن طريقة (وسبحان الله) معناه: تنزيها لله عما أشركوا، وتقديره قل هذه سبيلي، وقل سبحان الله. وقيل: إنه اعتراض بين الكلامين، والواو فيه مثل قولك قال الله، وهو منزه عن الشركاء، سبحان الله (وما أنا من المشركين) الذين اتخذوا مع الله ندا وكفوا وولدا. وفي هذه الآية دلالة على فضل الدعاء إلى الله سبحانه، وإلى توحيده وعدله، ويعضد ذلك الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: العلماء أمناء الرسل على عباده. وفيها دلالة أيضا على أنه عليه السلام كان يدعو إلى الله في كل أوقاته، وإن كان يبين الشرائع في أوقات ما. وفيها دلالة أيضا على أن الواجب في السعي أن يكون على ثقة وبصيرة ودلالة قاطعة، وذلك يوجب فساد التقليد (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) بين سبحانه أنه إنما أرسل الرسل من أهل الأمصار، لأنهم أرجح عقلا وعلما من أهل البوادي، لبعد أهل البوادي عن العلم وأهله، عن قتادة.
وقال الحسن: لم يبعث الله نبيا قط من أهل البادية، ولا من الجن، ولا من النساء، وذلك أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء، وأهل الأمصار أحد فطنا (أفلم يسيروا في الأرض) أي: أفلم يسر هؤلاء المشركون المنكرون لنبوتك يا محمد في الأرض (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) من الأمم المكذبين لرسلهم، وكيف أهلكهم الله بعذاب الاستئصال فيعتبروا بهم، ويحذروا مثل ما أصابهم (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا) يقول: هذا صنيعنا بأهل الإيمان والطاعة في دار الدنيا، إذ أهلكنا عدوهم، ونجيناهم من شرفهم، ولدار الآخرة خير لهم من دار الدنيا ونعيمها.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: لشبر من الجنة خير من الدنيا وما فيها. قال الزجاج: قال الله سبحانه في غير هذا الموضع: (والدار