إن لم يطعها فيما تدعوه إليه، فقالت: (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) أي: وإن لم يجبني إلى ما أدعوه إليه، ليحبس في السجن، وليكون من الأذلاء.
فلما رأى يوسف إصرارها على ذلك وتهديدها له، اختار السجن على المعصية ف (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) معناه: يا رب! إن السجن أحب إلي وأسهل علي مما يدعونني إليه من الفاحشة. وفي هذا دلالة على أن النسوة دعونه إلى مثل ما دعته إليه امرأة العزيز. وفي حديث أبي حمزة الثمالي: عن علي بن الحسين عليه السلام: إن النسوة لما خرجن من عندها، أرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبته، تسأله الزيارة. وقيل: إنهن قلن له: أطع مولاتك، واقض حاجتها، فإنها المظلومة، وأنت ظالم. وقيل: إنهن لما رأين يوسف، استأذن امرأة العزيز بأن تخلو كل واحدة منهن به، وتدعوه إلى ما أرادته منه إلى طاعتها. فلما خلون به، دعته كل واحدة منهن إلى نفسها، فلذلك قال: (مما يدعونني إليه).
ويسأل، فيقال: كيف قال يوسف (السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) ولا يجوز أن يراد السجن الذي هو المكان، وان عني به السجن الذي هو المصدر فإن السجن معصية، كما أن ما دعونه إليه معصية، فلا يجوز أن يريده؟ فالجواب: إنه لم يرد المحبة التي هي الإرادة، وإنما أراد أن ذلك أخف علي وأسهل. ووجه آخر:
إن المعنى لو كان مما أريده لكان إرادتي له أشد. وقيل: إن معناه توطيني النفس على السجن، أحب إلي من توطيني النفس على الزنا، عن أبي علي الجبائي (وإلا تصرف عني كيدهن) بألطافك، لأن كيدهن قد وقع وحصل (أصب إليهن) أمل إليهن، أو إلى قولهن بهواي. والصبوة: لطافة الهوى (وأكن من الجاهلين) أي:
المستحقين لصفة الذم بالجهل. وقيل: معناه أكن بمنزلة الجاهلين في فعلي.
(فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) أي: فأجاب له ربه فيما دعاه.
فعصمه من مكرهن. فإن قيل: ما معنى سؤال يوسف اللطف من الله، وهو عالم بأن الله يفعله لا محالة؟ فالجواب: إنه يجوز أن تتعلق المصلحة بالألطاف عند الدعاء المجدد ومتى قيل. كيف علم أنه لولا اللطف لركب الفاحشة، وإذا وجد اللطف امتنع؟ قلنا: لما وجد في نفسه من الشهوة، وعلم أنه لولا لطف الله لأرتكب القبيح، وعلم أن الله سبحانه يعصم أنبياءه بالألطاف، وأن من لا يكون له لطف، لا