وقيل: إن يعقوب قال لهم: أروني القميص؟ فأروه إياه، فقال لهم، لما رأى القميص صحيحا: يا بني! والله ما عهدت كاليوم ذئبا أحلم من هذا. أكل ابني ولم يمزق قميصه، عن الحسن.
وروي أنه ألقى ثوبه على وجهه، وقال: يا يوسف! لقد أكلك ذئب رحيم، أكل لحمك، ولم يشق قميصك. ومعنى قوله (بدم كذب): مكذوب عليه، أوفيه كما يقال: ماء سكب أي: مسكوب، وشراب صب أي: مصبوب، قال الشاعر:
تظل جيادهم نوحا عليهم * مقلدة أعنتها صفونا (1) أراد: نائحة عليهم. وقيل: إنه كان في قميص يوسف ثلاث آيات: حين قد من دبر، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا، وحين جاؤوا عليه بدم كذب.
فتنبه يعقوب على أن الذئب لو أكله، لمزق قميصه، عن الشعبي. وقيل: إنه لما قال لهم يعقوب ذلك، قالوا: بل قتله اللصوص! فقال عليه السلام: فكيف قتلوه، وتركوا قميصه، وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله؟ (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) أي: قال يعقوب لهم إذ اتهمهم في يوسف: لم يأكله الذئب، ولم يقتله اللصوص، ولكن زينت لكم أنفسكم أمرا علمتموه، عن قتادة. وقيل: سهل بعضكم لبعض أمرا في يوسف، غير الذي فعلتموه، حتى سهل عليكم فقتلتموه، عن أبي مسلم، والجبائي. وإنما رد يعقوب عليهم بوحي من الله عز اسمه. وقيل:
كان ذلك حدسا بصائب رأيه، وصادق ذهنه (فصبر جميل) أي: فصبري صبر جميل، لا جزع فيه، ولا شكوى إلى الناس. وقيل: فصبر جميل أحسن وأولى من الجزع الذي لا يغني شيئا. وقيل: إنما يكون الصبر جميلا إذا قصد به وجه الله تعالى، وفعل للوجه الذي وجب. فلما كان الصبر في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود، صح وصفه بذلك، ذكره المرتضى، قدس الله روحه. وقيل: إن البلاء نزل بيعقوب على كبره، وبيوسف على صغره، بلا ذنب كان منهما، فأكب يعقوب على حزنه، وانطلق يوسف في رقه، وكل ذلك بعين الله، يرى ويسمع، حتى أتى بالمخرج، وكل ذلك امتحان. (والله المستعان على ما تصفون) أي: بالله أستعين