ببعض أشغالكم، قالوا: وكانت أرضهم مذأبة، وكانت الذئاب ضارية في ذلك الوقت. وقيل: إن يعقوب رأى في منامه، كأن يوسف قد شد عليه عشرة أذؤب ليقتلوه، وإذا ذئب منها يحمي عنه، فكأن الأرض انشقت فدخل فيها يوسف، فلم يخرج منها إلا بعد ثلاثة أيام، فمن ثم قال: فلقنهم العلة، وكانوا لا يدرون.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: لا تلقنوا الكذب فيكذبوا، فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الانسان، حتى لقنهم أبوهم. وهذا يدل على أن الخصم لا ينبغي أن يلقن حجة. وقيل: إنه خاف عليه أن يقتلوه، فكنى عنهم بالذئب، مسايرة لهم. قال ابن عباس: سماهم ذئابا (قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة) أي: جماعة متعاضدون متناصرون، نرى الذئب قد قصده، ولا نمنعه منه (إنا إذا لخاسرون) أي: نكون كالذين تذهب عنهم رؤوس أموالهم على رغم منهم. وقيل: معناه إنا إذا عجزة ضعفة. قال الحسن: والله لقد كانوا أخوف عليه من الذئب. وقيل: معناه إنا إذا لمضيعون بلغة قيس عيلان، عن المؤرج. وههنا حذف، والتقدير أنه أرسله معهم إجابة لما سألوه ليؤدي ذلك إلى الإلفة والمحبة.
(فلما ذهبوا به وأجمعوا) أي: عزموا جميعا (أن يجعلوه في غيابة الجب) أي: قعر البئر، واتفقت دواعيهم عليه، فإن من دعاه داع واحد إلى الشئ لا يقال فيه أنه أجمع عليه، فكأنه مأخوذ من اجتماع الدواعي. ويدل الألف واللام على أنه كان بئرا معروفة معهودة عندهم، تجيؤها السيارة. وقيل: إنهم طلبوا بئرا قليلة الماء تغيبه، ولا تغرقه، فجعلوه فيها. وقيل: بل جعلوه في جانب منها. وقيل: إن يعقوب أرسله معهم، فأخرجوه مكرما، فلما وصلوا إلى الصحراء، أظهروا له العداوة، وجعلوا يضربونه، وهو يستغيث بواحد واحد منهم، فلا يغيثه، وكان يقول: يا أبتاه! فهموا بقتله، فمنعهم يهوذا منه. وقيل: منعهم لاوي، رواه بعض أصحابنا عنهم عليهم السلام، فانطلقوا به إلى الجب، فجعلوا يدلونه في البئر، وهو يتعلق بشفير البئر، ثم نزعوا قميصه عنه، وهو يقول: لا تفعلوا، ردوا علي القميص أتوارى به! فيقولون: أدع الشمس والقمر، والأحد عشر كوكبا يؤنسنك.
فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها، ألقوه إرادة أن يموت، وكان في البئر ماء، فسقط فيه، ثم آوى إلى صخرة، فقام عليها. وكان يهوذا يأتيه بالطعام، عن السدي. وقيل: إن الجب أضاء له، وعذب ماؤه حتى أغناه عن الطعام والشراب.