ولا يوصف بذلك القديم سبحانه (نحن نقص عليك أحسن القصص) أي: نبين لك أحسن البيان، عن الزجاج. وهذا كقولهم: صمت أحسن الصيام، وقمت أحسن القيام، مما يكون انتصابه على أنه قائم مقام المصدر. فالمعنى: نبين لك أحسن تبيين، وأحسن إيضاح. (بما أوحينا إليك) أي: بوحينا إليك (هذا القرآن) ودخلت الباء لتبيين القصص، إذ القصص تكون قرآنا، وغير القرآن. والقصص ههنا بوحي القرآن. وقيل: إنما سمي القرآن أحسن القصص لأنه بلغ النهاية في الفصاحة، وحسن المعاني، وعذوبة الألفاظ مع التلاؤم المنافي للتنافر والتشاكل بين المقاطع، والفواصل. وقيل: لأنه ذكر فيه أخبار الأمم الماضية وأخبار الكائنات الآتية، وجميع ما يحتاج إليه العباد إلى يوم القيامة، بأعذب لفظ، وتهذيب، في أحسن نظم، وترتيب. وقيل: أراد بأحسن القصص: قصة يوسف وحدها، لأنها تتضمن من الفوائد، والنكت، والغرائب، ما لا يتضمنه غيرها. ولأنها تمتد امتدادا لا يمتد غيرها مثله. وقوله (أحسن القصص) يدل على أن الحسن يتفاضل ويتعاظم، لأن لفظة أفعل حقيقتها ذلك، وإنما يتعاظم بكثرة استحقاق المدح عليه ويسأل عن هذا فيقال: هل يجوز أن يسمى الله سبحانه قاصا؟ فيقال: لا، لأنه في العرف إنما يستعمل فيمن تمسك بطريقة مخصوصة، وهذا كما أنه سبحانه لا يسمى معلما، ولا مفتيا، وإن وصف نفسه بأنه علم القرآن، وبأنه يفتيكم في النساء، وقوله: (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) معناه: وما كنت من قبل أن أوحينا إليك هذا القرآن، أو من قبل نزول القرآن عليك، إلا من الغافلين عن الحكم التي في القرآن، لا تعلم شيئا منها. وقيل: من الغافلين عن قصة يوسف، وعن الحكم التي فيها.
(إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (4) قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين (5) وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم (6).