ساجدين. ولم يقل ساجدات، لأنه لما وصف هذه الأشياء بالسجود، كما يوصف الآدميون بذلك، أجرى فعلها مجرى فعل العقلاء، وكما قال (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) وموضع الكاف من قوله (وكذلك) نصب. والمعنى: ومثل ما رأيت يجتبيك ربك، ويعلمك.
المعنى: ثم ابتدأ سبحانه بقصة يوسف عليه السلام، فقال: (إذ قال يوسف لأبيه) يعقوب عليه السلام وهو إسرائيل الله، ومعناه: عبد الله الخالص ابن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله. وفي الحديث: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. (يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) أي: رأيت في منامي. قال ابن عباس: إن يوسف عليه السلام رأى في المنام ليلة الجمعة ليلة القدر، أحد عشر كوكبا نزلن من السماء، فسجدن له ورأى الشمس والقمر نزلا من السماء فسجدا له. قال:
فالشمس والقمر أبواه، والكواكب إخوته الأحد عشر. وقال السدي: الشمس أبوه، والقمر خالته، وذلك أن أمه راحيل قد ماتت. وقال ابن عباس: الشمس أمه، والقمر أبوه. وقال وهب: كان يوسف رأى وهو ابن سبع سنين ان أحد عشر عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة، وإذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها، فوصف ذلك لأبيه، فقال له: إياك أن تذكر هذا لإخوتك! ثم رأى وهو ابن اثنتي عشرة سنة أن أحد عشر كوكبا، والشمس، والقمر، سجدت له، فقصها على أبيه فقال له: (لا تقصص رؤياك على إخوتك) الآية. وقيل: إنه كان بين رؤياه وبين مصير أبيه وإخوته إلى مصر، أربعون سنة، عن ابن عباس، وأكثر المفسرين.
وقيل: ثمانون سنة، عن الحسن.
ولما طال الكلام، كرر رؤيتهم، وأعاده للتأكيد. وقيل: أراد بالرؤيا الأولى رؤية الأعيان والأشخاص، وبالرؤية الثانية رؤية سجودهم. واختلف في معنى هذا السجود فقيل: إنه السجود المعروف على الحقيقة لتكرمته، لا لعبادته. وقيل: معناه الخضوع له، عن الجبائي، كما قال الشاعر: (ترى الأكم فيه سجدا للحوافر) (1) وهذا ترك الظاهر. ويقال: إن اخوته لما بلغهم رؤياه قالوا: ما رضي أن يسجد له