المعنى: ثم أنكر نوح استثقالهم التكليف، والعاقل، إنما يستثقل الأمر إذا ألزمته مؤنة ثقله، فقطع هذا العذر بقوله: (ويا قوم لا أسألكم عليه مالا) أي: لا أطلب منكم على دعائكم لي الله أجرا، فتمتنعون من إجابتي خوفا من أخذ المال (إن أجري إلا على الله) أي: ما ثوابي، وما أجري في ذلك، إلا على الله (وما أنا بطارد الذين آمنوا) أي: لست أطرد المؤمنين من عندي، ولا أبعدهم على وجه الإهانة. وقيل: إنهم كانوا سألوه طردهم ليؤمنوا له، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء، عن ابن جريج، والزجاج (إنهم ملاقوا ربهم) وهذا يدل على أنهم سألوه طردهم، فأعلمهم أنه يطردهم لأنهم ملاقوا ربهم، فيجازي من ظلمهم، وطردهم بجزائه من العذاب، عن الزجاج. وقيل: معناه إنهم ملاقوا ثواب ربهم، فكيف يكونون أراذل؟ وكيف يجوز طردهم، وهم لا يستحقون ذلك؟ عن الجبائي.
(ولكني أراكم قوما تجهلون) الحق وأهله. وقيل: معناه تجهلون أن الناس إنما يتفاضلون بالدين، لا بالدنيا. وقيل: تجهلون فيما تسألون من طرد المؤمنين (ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم) معناه: من يمنعني من عذاب الله إن أنا طردت المؤمنين، فكانوا خصمائي عند الله في الآخرة (أفلا تذكرون) أي: أفلا تتفكرون فتعلمون أن الأمر على ما قلته؟ وفرق علي بن عيسى بين التفكر والتذكر، بأن التذكر طلب معنى قد كان حاضرا للنفس. والتفكر طلب معرفة الشئ بالقلب، وإن لم يكن حاضرا للنفس. وليست النصرة المذكورة في الآية من الشفاعة في شئ، لأن النصرة: هي المنع على وجه المغالبة، والقهر. والشفاعة هي المسألة على وجه الخضوع، فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة للمذنبين، على ما قاله بعضهم (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) هذا تمام الحكاية عما قاله نوح لقومه، ومعناه: إني لا أرفع نفسي فوق قدرها، فأدعي أن عندي مقدورات الله تعالى، فأفعل ما أشاء، وأعطي ما أشاء، وأمنع من أشاء، عن الجبائي، وأبي مسلم.
وقيل: خزائن الله: مفاتيح الله في الرزق. وهذا جواب لقولهم: (ما نراك إلا بشرا مثلنا) أو قولهم: (وما نرى لكم علينا من فضل) (ولا أعلم الغيب) أي: ولا أدعي علم الغيب حتى أدلكم على منافعكم ومضاركم. وقيل: لا أعلم الغيب فأعلم ما تسرونه في نفوسكم، فيكون جوابا لقولهم إن هؤلاء الذين آمنوا بك، اتبعوك في ظاهر ما ترى منهم أي: فسبيلي قبول إيمانهم الذي ظهر لي، ولا يعلم ما يضمرونه