الاستثناء، إذا كان كلاما تاما فيما بعده، وليس ما قبل (إلا، في هذه الآية كلاما تاما، فإن قوله (الذين هم أراذلنا) فاعل لقوله (اتبعك) فلذلك فرق بين الموضعين. راجع كلام أبي علي: وأما تحقيق الهمزة وتخفيفها في (الرأي) فأهل تحقيق الهمزة يخففونها، وأهل التخفيف يبدلون منها الألف، وكذلك ما أشبهه من نحو البأس، والرأس، الفاس. ومن قرأ (فعميت) بالتخفيف: يقوي قوله (اجتماعهم) على التخفيف في قوله سبحانه (فعميت عليهم الأنباء)، وهذه مثلها، ويجوز في قوله: (فعميت) أمران: أحدهما: أن يكون عموهم عنها الآن، والرحمة لا تعمي، وإنما يعمي عنها، فيكون كقولهم أدخلت القلنسوة في رأسي، ونحو ذلك مما يقلب إذا لم يكن فيه إشكال. وفي التنزيل: (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) وقال الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه، وسائره باد إلى الشمس أجمع (1) والآخر أن يكون بمعنى خفيت، كقول الشاعر:
ومهمه أطرافه في مهمه أعمى الهدى بالحائرين العمة (2) أي: خفي الهدى، لأن الهدى ليس بذي جارحة تلحقها هذه الآفة. ومن هذا يقال للسحاب العماء، لاخفائه ما يخفيه، كما قيل له الغمام. ومن هذا قول الشاعر (ولكنني عن علم ما في غد عم) (3). قال: وقولهم أتاني صكة عمي: إذا أتى في الهاجرة، وشدة الحر، يحتمل عندنا تأويلين أحدهما: أن يكون المصدر أضيف إلى العمى، كما قالوا: ضرب التلف أي: الضرب الذي يحدث عنه التلف والآخر: أن يكون عمي تصغير أعمى على وجه الترخيم، وأضيف المصدر إلى المفعول به، كقولك: من دعاء الخير، والتقدير صكة الحر الأعمى. والمعنى: إن الحر من شدته كأنه يعمي من أصابه (4). والمصدر في الوجهين ظرف، نحو مقدم الحاج، وخفوق النجم. ومن قرأ (عميت) اعتبر قراءة أبي والأعمش، فعماهما عليكم، وإسناد