إن كنت على بينة من ربى وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (28).
القراءة: قرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة: (إني لكم) بكسر الهمزة. والباقون: (أني) بفتحها. وقرأ أبو عمرو، ونصر عن الكسائي: (بادئ الرأي) بالهمزة. وقرأ الباقون: (بادي الرأي) بالياء غير مهموز. وقرأ أهل الكوفة، غير أبي بكر: (فعميت) بضم العين، وتشديد الميم. والباقون: (فعميت) بفتح العين مخففا.
الحجة: قال أبو علي: من فتح (أني) فإنه يحملها على (أرسلنا) أي:
أرسلناه بأني لكم نذير مبين. فإن قيل: لو كان محمولا عليه لكان أنه لأن نوحا اسم للغيبة. قيل: هذا لا يمتنع لأن الخطاب بعد الغيبة في نحو: هذا سائغ، ألا ترى قوله: (وكتبنا له في الألواح) ثم قال: (فخذها بقوة). ومن كسر فالوجه فيه أنه حمله على القول المضمر لأنه مما قد أضمر كثيرا في القرآن، قال سبحانه:
(والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام) أي: يقولون سلام، وقال: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) أي: قالوا ما نعبدهم.
فإن قلت: فهلا رجحت قراءة من قرأ أن على قراءة من كسر، لأن قوله (ألا تعبدوا) محمول على الإرسال، وإذا فتحت أن كان أشكل بما بعدها، لحملها جميعا على الإرسال، يقال لك: إن من كسر قال: يجوز أن يكون قوله (إني لكم) وما بعده، محمولا على الاعتراض بين المفعول، وما يتصل به مما بعده، كما كان في قوله (قل إن الهدى هدى الله) اعتراضا بينهما في قوله (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم)، فكذلك قوله (إني لكم نذير مبين) لأن التقدير ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه أن لا تعبدوا إلا الله.
وأما قوله: (بادي الرأي) فقد حكى أبو علي عن الجبائي أنه قال: يقال أنت بادي الرأي، يريد ظاهر الرأي، لا يهمز بادي، وبادئ الرأي مهموز. فمن لم يهمز أراد أنت فيما بدا من الرأي أي أنت ظاهر الرأي. ومن همز أراد أنت أول الرأي ومبتدأه. قال أبو علي: المعنى فيمن قال بادي الرأي بلا همز فجعله من بدا الشئ إذا ظهر أي: ما اتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي، إن لم يتعقبوه ينظر فيه،